الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ ٱلْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ } * { وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَآبِّ وَٱلأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ ٱللَّهِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ } * { لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ }

{ أَلَمْ تَرَ } أيها الرائي المعتبر { أَنَّ ٱللَّهَ } المقتدر بالقدرة الكاملة كيف { أنزَلَ } وأفاض { مِنَ } جانب { ٱلسَّمَآءِ } أي: سماء الأسماء والصفات الذاتية { مَآءً } محيياً لأموات الأراضي المائتة الجامدة، الباقية على صرافة العدم { فَأَخْرَجْنَا بِهِ } أي: بالماء المفاض، المترشح من بحر الذات على أرض الطبيعة { ثَمَرَاتٍ } فواكه متنوعة من المعارف والحقائق والخواطف والواردات المختطفة على قلوب أرباب المحبة والولاء حسب حالاتهم ومقاماتهم { مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا } وكيفيتها علماً وعيناً وحقاً { وَمِنَ ٱلْجِبَالِ } التي هي الأوتاد والأقطاب القابلة لفيضان تلك الكرامات والفتوحات { جُدَدٌ } أي: ذوو طرق وسبل إلى كعبة الذات، وعرفات الأسماء والصفات { بِيضٌ } مصفى في غاية الصفا، بلا خلط ومزج لها بألوان التعينات والهويات أصلاً { وَ } بعضها { حُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا } باختلاف مراتب قربهم وبعدهم عن المرتبة الأولى { وَ } بعضها { غَرَابِيبُ سُودٌ } [فاطر: 27] أي: متناه في السواد والظلمة، بحيث لا يبقى فيها شائبة شبه بالمرتبة الأولى، بل هي مباين لها، مناقض إياها بحيث لا يبقى المناسبة بينهما أصلاً.

قيل: يشير سبحانه بالجدد البيض إلى طائفة الصوفية الذين هم صفّوا بواطنهم عما سوى الحق من الأمور المنصبغة بصبغ الأكوان وألوان الإمكان، وبالحمر المختلف الألوان إلى طائفة المتكلمين الذين بحثوا عن ذات الله وصفاته، متشبثين بالدلائل العقلية والنقلية الغير المؤيدة بالكشف والشهود، المفيدة للظلن والتخمين إلا نادراً، وبالغرابيب السود إلى طائفة الفقهاء الذين كثفت حجبهم وغلظت أغشيتهم وأعطيتهم إلى حيث لم يبق في فضاء قلوبهم موضع يليق لقبول انعكاس أشعبة أنوار الحق، بل سوَّدوها وصبغوها إلى حيث أخرجوها عن فطرة الله التي فطر الناس عليها.

{ وَ } أخرجنا به أيضاً؛ أي: من الآثار تربية الماء وإحيائها أموات الأراضي { مِنَ ٱلنَّاسِ } المنهمكين في الغفلة والنسيان { وَٱلدَّوَآبِّ } المنسلخة عن رتبة الإدراك والشعور المتعلق بالمبدأ والمعاد { وَٱلأَنْعَامِ } المشغوفة بتوفير اللذات الجسمانية والمشتهيات النفسية { مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ } أي: أجناسه وأنواعه وأصنافه وأشكاله وهيئاته، وبالجملة: { إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ } ويخاف من بطشه { مِنْ عِبَادِهِ } الذين أبدعهم وأظهرهم من كتم العدم بإفاضة رشاشات رشحات بحر وجوده بمقتضى جوده { ٱلْعُلَمَاءُ } العرفاء بالله وبأوصافه الكاملة الفائضة عليهم، وأسمائه الحسنى الشاملة، المتحققون بمرتبة التوحيد، المنكشفون بسر سريان الوحدة الذاتية على عموم المظاهر؛ إذ أخشى الناس من الله أعرفهم بشأنه؛ لذا قال صلى الله عليه وسلم: " إني أخشاكم الله وأتقاكم به " ، وكيف لا يخشى العارفون منه سبحانه { إِنَّ ٱللَّهَ } المتردي برداء العظمة والكبرياء { عَزِيزٌ } غالب على انتقام من أراد انتقامه من عباده { غَفُورٌ } [فاطر: 28] ذنوب من تاب إلى الله ورجع نحوه عن ظهر قلب.

ثم أشار سبحانه إلى خواص عباده، وبنبههم على ما هو المقبول منهم عنده سبحانه من أعمالهم، وحثهم عليها امتناناً لهم، فقال: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ ٱللَّهِ } المنزل على رسوله { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ } المفروضة، المكتوبة في الأوقات المحفوظة، المأمورة إياهم في كتاب الله { وَأَنفَقُواْ } طلباً لمرضاتنا { مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ } وسقنا إليهم من الرزق الصوري والمعنوي { سِرّاً } خفية من الناس؛ اتقاءً عن وصمة الرياء والسمعة، ومن الفقراء المستحقين أيضاً؛ صوناً لهم عن أن يتأذوا حين أخذوا { وَعَلاَنِيَةً } أيضاً بعدما اقتضى المحل إعلامه، ولم يتأت منه الإخفاء { يَرْجُونَ } من الله بالأفعال المذكورة { تِجَارَةً } من الأحوال والمقامات { لَّن تَبُورَ } [فاطر: 29] أي: لن تهلك وتفسد وتفنى أصلاً.

السابقالتالي
2