الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن نُّؤْمِنَ بِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَلاَ بِٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ ٱلْقَوْلَ يَقُولُ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ } * { قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُوۤاْ أَنَحْنُ صَدَدنَاكُمْ عَنِ ٱلْهُدَىٰ بَعْدَ إِذْ جَآءَكُمْ بَلْ كُنتُمْ مُّجْرِمِينَ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ بَلْ مَكْرُ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَآ أَن نَّكْفُرَ بِٱللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ وَجَعَلْنَا ٱلأَغْلاَلَ فِيۤ أَعْنَاقِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

{ وَ } من كمال غيظ المشتركين معك يا أكمل الرسل وشدة إنكارهم على كتباك؛ بسبب اشتماله على الأوامر والنواهي الشاقة والتكاليف الشديدة، وبما أخبر فيه من قيام الساعة وأهوال الفزع الأكبر والطامة الكبرى { قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي: ستروا الحق وأعرضوا عن مقتضاه: { لَن نُّؤْمِنَ } ونصدق أبداً { بِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ } وبما فيه من الإنذارات والتخويفات، سيما حشر الأجساد وإعادة المعدوم بعينه { وَلاَ } نصدق أيضاً { بِٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ } من الكتب السالفة المشتملة على ذكر القيامة.

وذلك أنهم فتشوا عن أخبار اليهود والنصارى، وجميع من أنزل إليهم الكتب، فسمعوا منهم أنه ذكر في كتباهم نعت محمد صلى الله عليه وسلم ووصف كتابه، وذكر الحشر والنشر، وجميع المعتقدات الأخروية؛ لذلك بالغوا في تكذيب الكتب رأساً، وصرفوا الناس أيضاً عن تصديقها والإيمان بها وبمن أنزل إليهم، سيما بالقرآن وبمحمد صلى الله عليه وسلم { وَلَوْ تَرَىٰ } أيها الرائي لرأيت أمراً فظيعاً فجيعاً { إِذِ ٱلظَّالِمُونَ } الخارجون عن ربقة العبودية بتكذيب الرسل وإنكار الكتب وما فيها من أحوال النشأة الأخرى، سيما بالقرآن وبمحمد صلى الله عليه وسلم { مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ } محبوسون يوم العرض للسحاب { يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ ٱلْقَوْلَ } أي: يتجاورون فيما بينهم ويتراجعون في الأقوال، ويتلاومون ويتلاعنون فيها، حيث { يَقُولُ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ } من الأتباع المتسمين بذل التبعية { لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ } من المتبوعين المتعززين بعز الرئاسة: { لَوْلاَ أَنتُمْ } موجودون مقتدون بيننا { لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ } [سبأ: 31] موقنين بتوحيد الله، مصدقين لرسله وكتبه، وبجمي ما جرى على ألسنة الرسل والكتب.

ثم { قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ } أي: المتبوعون المتعظمون بعز الرئاسة والثورة والسيادة { لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُوۤاْ } أي: الأتباع السفلة: { أَنَحْنُ صَدَدنَاكُمْ عَنِ ٱلْهُدَىٰ } أي: لم نكن صادِّين، صارفين لكم عن الإيمان بالرسل والكتب { بَعْدَ إِذْ جَآءَكُمْ } الرسل بالكتب المشتملة على الهدى والبينات، وعودم إلى الإيمان، ونحن ما صددنا إلا نفوسنا بلا تغرير وتضعيف منا إياكم { بَلْ كُنتُمْ } حينئذ { مُّجْرِمِينَ } [سبأ: 32] تاركين الإيمان والهداية تقليداً علينا لا صد منَّا.

{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ } الضعفاء { بَلْ مَكْرُ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ }: لم يكن إضلالكم إيَّانا وتغريركم علينا وحيلتكم في تضليلنا دائماً مستوعباً للأيام والليالي، ليس مخصوصاً بوقت دون وقت؛ لأنكم رؤساء بيننا، أصحاب الثروة فينا، فتخدعون بنا قولاً وفعلاً، وتميل قلوبنا إلى ما أنتم عليه { إِذْ تَأْمُرُونَنَآ أَن نَّكْفُرَ بِٱللَّهِ } وتوحيده وننكر رسله وكتبه { وَنَجْعَلَ لَهُ } أي: نثبت ونعتقد لله الواحد الأحد، المنزه عن الشريك { أَندَاداً } شركاء معه في استحقاق العبادة والإطاعة والتوجه والرجوع في مطلق المهام.

{ وَ } بالجملة: { أَسَرُّواْ } أي: أظهروا وأخفوا { ٱلنَّدَامَةَ } على ما فات عنهم { لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ } النازل عليهم بما صدره عنهم في النشأة الأخرى، أظهروا الندامة؛ تحسراً وتحزناً، أو أخفوها؛ مخافة التعيير والتقريع { وَ } بعدما أردنا تعذيبهم { جَعَلْنَا ٱلأَغْلاَلَ } الممثلة لهم من تعديهم وظلمهم بالخروج عن مقتضى الحدود الإلهية { فِيۤ أَعْنَاقِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بتوحيد الله، وأثبتوا له أنداداً، وأنكروا لكتبه ورسله تابعاً ومتبوعاً، ضالاً ومضلاً، وقلنا لهم توبيخاً وتعييراً: { هَلْ يُجْزَوْنَ } هؤلاء البعداء عن ساحة عز القبول { إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [سبأ: 33] أي: ما يجازون إلا بمقتضى أعمالهم وأفعالهم، وعلى طبقها على مقتضى العدل الإلهي.