الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } * { لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ وَٱلْمُرْجِفُونَ فِي ٱلْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلاَّ قَلِيلاً } * { مَّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوۤاْ أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ تَقْتِيلاً } * { سُنَّةَ ٱللَّهِ فِي ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً }

ثم أشار سبحانه إلى آداب النساء، وصيانتهن عن الرجال واستحيائهن منهم؛ ليسلمن عن افتراء المفترين ورمي الرامين، فقال منادياً لحبيبه صلى الله عليه وسلم ليبلِّغ إلى أمته وأزواجه وأزواجهم أيضاً: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ } المؤيد من عندنا، المبعوث إلى أرشاد البرايا ذكورهم وإناثهم { قُل لأَزْوَاجِكَ } أولاً على سبيل الشفقة والنصيحة { وَبَنَاتِكَ } أيضاً { وَ } عموم { نِسَآءِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } إذا برزن لحوائجهن أحياناً { يُدْنِينَ } ويغطين { عَلَيْهِنَّ } أي: على أيديهن وأرجلهن وجميع معاطفهن { مِن } فواضل { جَلاَبِيبِهِنَّ } وملاحفهن، بحيث لا يبدو من أعضائهن شيء سوى العينين، بل عين واحدة؛ ليتميزن بها عن الإمامء والبغيات المريبات، المطمعات لأهل الفجور والفسوق { ذٰلِكَ } التستر والتغطي على الوجه الأتم الأبلغ { أَدْنَىٰ } وأقرب { أَن يُعْرَفْنَ } ويُميزن أولئك الحرائر والعفائق عن الإماء والمربيات، وبعدما عرفن { فَلاَ يُؤْذَيْنَ } ولا يفترين بهتاناً { وَكَانَ ٱللَّهُ } المطلع لما اختلج في جوانحهن { غَفُوراً } لهن بعدما تُبن إلىالله وأَنَبْنَ { رَّحِيماً } [الأحزاب: 59] يقبل توبتهن ويرحم عليهن إن أخلصن فيها.

ثم قال سبحانه مقسماً مبالغاً: والله { لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ } ولم ينزجر { ٱلْمُنَافِقُونَ } المفترون الرامون عن إيذاء المؤمنات الحرائر، المصونات المحفوظات، والسرايا العفائف بعدما تحفظن وتسترن على الوجه المذكور { وَ } لم يكف عنها المتعرضون { ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ } وضعف إيمان، واعتقاد وميل إلى الفسق والفجور { وَ } خصوصاً { ٱلْمُرْجِفُونَ } المجاهرون المترددون { فِي ٱلْمَدِينَةِ } بالأراجيف والأخبار الكاذبة والمفتريات الباطلة الغليظة، ويذيعونها فيها عناداً أو فساداً { لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ } ولنأمرنك بقتالهم وإجلائهم، ولنسلطنك عليهم بإقامة الحدود الشديدة والغريرات البليغة إلى حيث لا يمكنهم التمكن والإقامة فيها، فيضطروا إلى الجلاء { ثُمَّ } أي: بعدما وضعنا الحدود وأمرناك بإقامتها { لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ } أي: لا يستطيعون ولا يقدرون بمجاورتك في المدينة { إِلاَّ } زماناً { قَلِيلاً } [الأحزاب: 60] يستعدون فيه للبعد والجلاء والهرب من بين المسلمين والفرار عنهم.

وإلى أن يفروا ويهربوا أولئك المبعدون المطرودون حتى لا يؤاخذون ولا يؤسرون؛ إذ هم كانوا بين المؤمين { مَّلْعُونِينَ } مطرودين، مبعدين عن روح الله وكنف جوار رسوله وجوار المؤمنين؛ لكونهم مؤذين متعرضين لعورات المسلمين، الباهتين المفترين إياهن ببهتان عظيم، والموصوفين بهذه الصفات المذمومة { أَيْنَمَا ثُقِفُوۤاْ } ووجدوا { أُخِذُواْ } وأُسروا { وَ } إن لم يمكن أسرهم { قُتِّلُواْ تَقْتِيلاً } [الأحزاب: 61] شديداً إلى حيث استؤصلوا بالمرة.

واستئصال أمثال هذه الغواة المطرودين المردودين ليس ببدع، بل { سُنَّةَ ٱللَّهِ } القدير الحكيم، القديمة المستمرة، التي سنها سبحانه { فِي } حق المؤذين المفترين { ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ } ومضوا { مِن قَبْلُ } يا أكمل الرسل { وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ } المستمرة الجارية على مقتضى حكمته المتقنة { تَبْدِيلاً } [الأحزاب: 62] إذ لا يبدل حكمه، ولا يغير حكمته، بل له أن يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.