الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوۤاْ آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } * { ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً } * { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقاً غَلِيظاً } * { لِّيَسْأَلَ ٱلصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً }

وبعدما سمعتم حقيقة القول في أدعياءكم وحقيته { ٱدْعُوهُمْ } أي: سموهنم أدعياءكم بأسمائهم، وانسبوهم حين دعائكم وندائكم:إيها { لآبَآئِهِمْ } المولدين لهم حقيقة لا إلى الداعي إن علموا آباءهم الأصلية النسلية { هُوَ } أي: انتسابهم إلى آبائهم { أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ } وأقوم بين المؤمنين، وأقرب إلى الصدق، وأبعد عن الكذب والفرية؛ إذ كثيراً ما اشتهر دعيٌّ باسم من تبناه فأراد أن يأخذ منه الميراث، فعليكم ألاَّ تنسبوهم إلاَّ لآبائهم الحقيقيين { فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوۤاْ آبَاءَهُمْ } لتنسبوهم إليهم { فَإِخوَانُكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ } أي: فهم إخوانكم في الدين وأولياؤكم فيه كسائر المؤمنين، فخاطبوهم مثل خطاب بعضكم بعضاً، فقولوا له: يا أخي، ويا صاحبي، ووليي في الدين وغير ذلك.

{ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ } أيها المؤمنون { جُنَاحٌ } إثم ومؤاخذة { فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ } أي: بقولكم هذا ونسبتكم هذه إذا صدرت عنكم هفوةً على سبيل الخطأ والنسيان، سواء كان قبل ورورد النهي أو بعده { وَلَـٰكِن } تؤاخذون في { مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ } وصدرت عنكم هذا قصداً؛ إذ قصدكم به يؤدي إلى الافتراء، وتضييع حقوق المؤمنين { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً } في حق من أخطأ ونسي ثمَّ ذكر فتاب { رَّحِيماً } [الأحزاب: 5] عليه يقبل توبته، ويغفر ذاته.

ثمَّ أشار سبحانه إلى تأديب كل من الأمم مع نبيه المؤيَّد من عنده سبحانه بأنواع التأييدات، والمعجزات الخارقة للعادات، المبعوث إليهم؛ لإرشادهم وتكميلهم، وأمرهم بحسن الأدب معهم والمحافظة على خدمتهم وحرمتهم.

وكيف لا يحسنون الأدب من الأنبياء والرسل - صلوات الله عليهم - إذ كل نبي بالنسبة إلى أمته كالأب المشفق العطوف معهم، بل هو خير آبائهم يرشدهم إلى ما هو أصلح لهم في دينهم الذي هو حياتهم الحقيقية، فلهم أن يكونوا معه في مقام التذلل والانكسار التام، والانخفاض المفرط بأضعاف ما وجب عليهم من حقوق الولد النسبي؛ إذ آثار تربية الأنبياء مؤبدة مخلدة، وآثار تربية هؤلاء الآباء متناهية منقطعة، وإن ترتب على تأديبهم وانخافضهم معه من المثوبة الأخروية، فإنما هي راجعة إلى تربية نبيهم.

ولا شك أن نبينا صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء، وأكملهم في التربية والإرشاد، فيكون أبوته أيضاً أكمل، وإشفاقه ومرحمته لأمته التي هي أفضل الأمم أتم وأوفر؛ لذلك قال سبحانه: { ٱلنَّبِيُّ } أي: هذا النبي المؤيَّد المبعوث إلى كافة الأمم، المتمم لمكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، المكمل لمعالم الدين مراسم المعرفة واليقين { أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ } وأحق لهم أن يرجحوا جانبه على نفوسهم، ويختاروا غبطته { مِنْ أَنْفُسِهِمْ } إذ نسبة تربيته إلى أجسادهم كنسبة تربية الأب المشفق المحافظ ابنه عن جميع ما لا يعنيه، المراقب له في جميع أحواله؛ ليوصله إلى الحياة الأبدية، والبقاء الأزلية السرمدية.

ونسبة تربيته نفوسهم المدبرة لأبدانهم، وإن كانت هي أيضاً بتوفيق الله وإقداره إنما هي مقصورة إلى حفظ أجسامهم؛ لئلا تنهم وتنخرم، ولا تزول عنها الحياة المستعارة، وشتان ما بين النسبتين { وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } أي: وبعدما ثبت أن تربيته صلى الله عليه وسلم شاملة، وأبوته كاملة صارت أزواجه اللاتي في حجوره صلى الله عليه وسلم وحضانته أمهات المؤمنين في الدين، وحرمتهن أعظم وأولى من حرمة أمهاتهم النسبية؛ إذ هن أتباع له صلى الله عليه وسلم وأهل بيته فيسري الأدب معه إليهن، وهن أيضاً في أنفسهن من الكمالات اللائقة لأنواع الحرمات والكرامات، ومن جملتها: لياقتهن بشرف صحبة النبي صلى الله عليه وسلم.

السابقالتالي
2 3