الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِيۤ أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِيۤ أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً } * { مَّا كَانَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ ٱللَّهُ لَهُ سُنَّةَ ٱللَّهِ فِي ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً } * { ٱلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ ٱللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ ٱللَّهَ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيباً }

{ وَ } بعدما سمعت يا أكمل الرسل من زيد ما سمعت اذكر { إِذْ تَقُولُ لِلَّذِيۤ أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ } بأن وفقه للإيمان وقبول الإسلام، وشرفه بشرف خدمتك وصحبتك { وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ } بأن أعتقته ودعوته ابناً { أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ } بعدم لم يريك منها شيئاً { وَٱتَّقِ ٱللَّهَ } المنتقم الغيور، واحذر عن بطشه بطلاق العفيفة، والمفارقة منها بلا وصمة عيب ظهرت عنها، وسمة نقص لاحت منها { وَ } أنت يا أكمل الرسل حينئذٍ { تُخْفِي فِي نَفْسِكَ } حين قولك لزيد هذا { مَا ٱللَّهُ } المظهر لما في الصدور { مُبْدِيهِ } مظهره ومعلنه من ميلك إلى زينب ونكاحها، وأرادتك لطلاق زيد وافتراقه عنها { وَ } سبب إخفائك هذا، وإظهارك ضد مطلوبك أنك { تَخْشَى ٱلنَّاسَ } من أن يعيروك بمناكحة زوجة عتيقك ودعيتك، ويرموك بما لا يليق بشأنك، مع أنك بريء عنه { وَٱللَّهُ } المطلع على جميع ما ظهر وبطن { أَحَقُّ } وأولى من { أَن تَخْشَاهُ } وتستحي منه؛ إذ هو سبحانه غيور ينتقم عمن يشاء، ويأخذه على من يشاء.

وهذا عتاب شديد وتأديب بليغ، قالت عائشة - رضي الله عنها: لو كتم النبي شيئاً مما أنزل إليه لكتم هذه الآية، فطلقها زيد ومضى عليها العدة، قال صلى الله عليه وسلم: اذهب فاذكرها عليَّ فذهب، فقال: يا زينب إن نبي الله أرسنلي إليك بذكرك، فقالت: ما أنا بصانعة شيئاً حتى أؤمر من ربي، وقامت إلى الصلاة، فنزلت: { فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا } أي: من زينب { وَطَراً } أي: حاجة، وطلقها ومضت عدتها { زَوَّجْنَاكَهَا } يعني: زوجناك يا أكمل الرسل زينب بلا نصب ولي من الجانبين على المعهود في الشرع، بل أبحنا لك الدخول عليها بلا عقد، وجعلناها زوجتك بلا مهر؛ لذلك كانت تباهي على سائر نسائه صلى الله عليه وسلم قائلة: إن الله تولى نكاحي، وأنتن زوجكن أولياؤكن.

فدخل صلى الله عليه وسلم بلا إذن، ولا عقد نكاح، ولا صداق، ولا شهود، وأطعم الناس خبزاً ولحماً، ثمَّ قال سبحانه: { لِكَيْ لاَ } يعني: فعلنا ذلك؛ لكيلا { يَكُونَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ } ضيق وإثم { فِيۤ } تزوج { أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ } الذين تبنوهم { إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً } يعني: بعدما طقوهن وسرحوهن سراحاً جميلاً { وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ } وحكمه المبرم، المثبت في لوح قضائه { مَفْعُولاً } [الأحزاب: 37] مقضياً نافذاً كائناً على تعاقب الأحيان والأزمان.

ثمَّ قال سبحانه تسليةً لنبيه، وحطاً عنه العار في أمثال هذه الأفعال الكائنة في قضاء الله، المقضية في حضرة علمه: { مَّا كَانَ } أي: ما لحق وعرض { عَلَى ٱلنَّبِيِّ } المؤيَّد من عند الله بأنواع التأييدات المنتظرة على لاوحي الإلهام في جميع أفعاله وأعماله { مِنْ حَرَجٍ } ضيق وإثم سآمة، ووخامة عاقبة { فِيمَا فَرَضَ ٱللَّهُ لَهُ } صلى الله عليه سولم؛ أي: في جميع ما قدر الله له، وكتب لأجله في لوح قضائه من الحوادث الكائنة الجارية عليه صلى الله عليه وسلم على تعاقب الأزمان والأوقات، ومن جملتها: هذا النكاح، وليس أمثال هذا ببدع منَّا مخصوص بهذا النبي صلى الله عليه وسلم، بل { سُنَّةَ ٱللَّهِ } الحكيم العليم، المتقن في أفعاله المستمرة القديمة التي سنها سبحانه { فِي ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ } ومضوا { مِن قَبْلُ } من الأنبياء والرسل { وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ } المثبت في لوح قضائه، وحكمه المبرم في حضرة علمه { قَدَراً مَّقْدُوراً } [الأحزاب: 38] حتماً مقضياً، مبرماً محكوماً به ألبتة.

السابقالتالي
2