الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً } * { وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ فَإِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً } * { يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا ٱلْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } * { وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَـآ أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً }

ثمَّ لمَّا اشتكت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من العسرة في المأكل والمشرب والملبس، وسألن منه ثياب الزينة والزيادة في النفقة، واسعة في المعيشة، وليس معه صلى الله عليه وسلم من حطام الدنيا ما يكفي مؤنتهن على هذا الوجه اغتم رسول الله صلى الله عليه سلم، وتحزن حزناً شدياً، فقال تعالى منادياً له: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ } المباهي بالفقرة والعسرة { قُل لأَزْوَاجِكَ } حين يسألن عنك أسباب التنعم والترفه، وسعة العيش على سبيل التخيير: { إِن كُنتُنَّ } أيتها الحرائر العفائق { تُرِدْنَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا } يعني: مطاعمها الشهية، وملابسها البهية { فَتَعَالَيْنَ } وتراضين { أُمَتِّعْكُنَّ } أي: أعطيكن المتعة حسب ما ترضين { وَأُسَرِّحْكُنَّ } أي: أطلقن بعد إعطائها { سَرَاحاً جَمِيلاً } [الأحزاب: 28] طلاقاً بيِّناً لا بدعياً بلا ضرر ولا إضرار.

{ وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } أي: رضاء الله ورضاء رسوله { وَ } تطلبن { ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ } أي: المثوبات المعدة يها، الجنان الموعدة عليها فعليكن أن تصبرن على ملاذ الدنيا ومشتهياتها، وسعة مطعوماتها ولين ملبوساتها؛ حتى تكنَّ من زمرة المحسنات اللاتي تحسنَّ في توجههن نحو الحق واللذة الأخروية، مائلات من أمتعة الدنيا ولذاتها وشهواتها، منصرفات عنها وعن أمتعتها وألبستها، سوى سدّ جوعة وستر عورة { فَإِنَّ ٱللَّهَ } المطلع لضمائر عباده { أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ } المرجحات جانب الله وجانب رسوله على مقتضى نفوسهن، واللذات الأخروية على الدنيا وما فيها { مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً } [الأحزاب: 29] يُستحقر دونها الدنيا ما فيها من اللذات الفانية، والشهوات الغير باقية.

ثمَّ لمَّا نبه سبحانه عليهن طريق الأحسان، وعلمهن سبيل الفوز إلى درجات الجنان أراد أن يجنبهن ويبعدهن عن دركات النيران، فقال منادياً عليهن؛ ليقبلن إلى قبول ما يبتلى عليهن: { يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ } - أضافهن سبحانه إياه صلى الله عليه وسلم؛ للتعظيم والتوقير - من شأنكن التحصن والتحفظ عن الفحشاء، والتحرز عن المكروهات مطلقاً { مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ } وفعلة قبيحة، وخصلة ذميمة عقلاً وشرعاً { مُّبَيِّنَةٍ } أي: بينة ظاهرة فحشها بنفسها، أو ظاهرة واضحة قبحها شرعاً وعرفاً - على كلتا القراءتين - { يُضَاعَفْ لَهَا ٱلْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ } يعني: عذابكن ضعف عذاب سائر الحرائر لا أزيد منها؛ حتى لا يؤدي إلى الظلم المنافي للعدالة الإلهية، كما يضاعف عذاب سائر الحرائر بالنسبة إلى الإماء { وَكَانَ ذَلِكَ } التضعيف { عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } [الأحزاب: 30] يعذبكن أن تأتي إحداكنن بها.

{ وَمَن يَقْنُتْ } ويطع على سبيل الخضوع { مِنكُنَّ للَّهِ وَرَسُولِهِ } ويداوم على إطاعتهما وانقيادهما بإتيان الواجبات، وترك المحظورات والمكروهات { وَتَعْمَلْ صَالِحاً } من النوافل والمندوبات { نُؤْتِهَـآ أَجْرَهَا } أي: جزاء أعمالها وطاعاتها في يوم الجزاء { مَرَّتَيْنِ } مرة على مقابلة الأعمال المأتية ومقتضى الطاعات المرضية، ومرة على ترجيحها رضا الله ورضا رسوله على مشتهيات نفسها { وَأَعْتَدْنَا } تفضلاً { لَهَا } وامتناناً عليها وراء ما استحقت بالأعمال والطاعات { رِزْقاً كَرِيماً } [الأحزاب: 31] صورياً في الجنة مما تشتهي نفسها وتلذ عينها، ومعنوياً من الحالات الطارئة عليها عند اسغراقها بمطالعة جمال الله وجلاله.