الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَٱلْقَآئِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلاَ يَأْتُونَ ٱلْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَآءَ ٱلْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَٱلَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ ٱلْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى ٱلْخَيْرِ أوْلَـٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُواْ فَأَحْبَطَ ٱللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } * { يَحْسَبُونَ ٱلأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُواْ وَإِن يَأْتِ ٱلأَحْزَابُ يَوَدُّواْ لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي ٱلأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَآئِكُمْ وَلَوْ كَانُواْ فِيكُمْ مَّا قَاتَلُوۤاْ إِلاَّ قَلِيلاً }

وإن اعتذروا بك، وتبرءوا عما كانوا وصاروا عليه، قل لهم: { قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ } بعلمه الحضوري { ٱلْمُعَوِّقِينَ } المثبطين { مِنكُمْ } عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، المتخلفين عنه في الحروب والمعارك، وهم المنافقون { وَ } يعلم أيضاً { ٱلْقَآئِلِينَ } منكم أيها المنافقون من أهل المدينة { لإِخْوَانِهِمْ } ممن في قلوبهم مرض من المؤمنين: { هَلُمَّ إِلَيْنَا } أي: قربوا أنفسكم نحونا؛ لتنجو عن المخاوف والمهالك { وَ } بعدما سمعوا منكم إخوانكم قولكم هذا { لاَ يَأْتُونَ ٱلْبَأْسَ } أي: الحراب والقتال { إِلاَّ قَلِيلاً } [الأحزاب: 18] أي: إتياناً قليلاً، بل يثبطون ويسرفون، ويعتذرون بالأعذار الكاذبة.

وبعدما أتوا ما أتوا إلا { أَشِحَّةً } أي: بخلاء { عَلَيْكُمْ } أيها المؤمنون المخلصون لما معكم من المعاونة والنفقة في سبيل الله، أو خوف الظفر وفوت الغنيمة، أو من خوف العاقبة، وإنما فعلوا ذلك قبل القتال { فَإِذَا جَآءَ ٱلْخَوْفُ } وظهرت أمارات القتال والحراب { رَأَيْتَهُمْ } أيها الرائي حين { يَنظُرُونَ إِلَيْكَ } من شدة خوفهم وخشيتهم { تَدُورُ } أي: تتحرك وتضطرب { أَعْيُنُهُمْ } أي: آماقهم في أحداقهم { كَٱلَّذِي يُغْشَىٰ } أي: يحل ويدور { عَلَيْهِ مِنَ } أمارات { ٱلْمَوْتِ } ولاح عليه علامات السكرات { فَإِذَا ذَهَبَ ٱلْخَوْفُ } وزال الرعب والخشية، وانهزم العدو، واجتمعت الغنائم { سَلَقُوكُمْ } أي: جاءوكم مستلقين متسلطين عليكم { بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ } ذربة قاطعة، باسطين أيديهم إلى الغنائم وقت قسمتكم، صائحين عليكم: لستم أولى منَّا وأحق بهذه الغنائم؛ لأنَّا شهدنا القتال معكم، بل نحن لا نقصِّر وأنتم قاصرون، فبم ترجحون أنتم علينا، وإنما سلقوكم بها حال كونهم { أَشِحَّةً } بخلاء { عَلَى ٱلْخَيْرِ } الذي وصل إليكم من الغنائم العظام؟!.

وبالجملة: { أوْلَـٰئِكَ } البعداء الهالكون في تيه النفاق والشقاق { لَمْ يُؤْمِنُواْ } بتوحيد الله، ولم يخلصوا الإيمان به وبرسوله وكتابه، بل: إنما آمنوا واعترفوا باللسان؛ لحقن الدماء والأموال خداعاً ومكراً؛ ولذلك مكر الله المطلع على نيَّاتهم بهم { فَأَحْبَطَ ٱللَّهُ أَعْمَالَهُمْ } الصالحة، وأبطلها عليهم بلا ترتيب الجزاء والمثوبات، كما لأعمال المخلصين من المؤمين { وَكَانَ ذَلِكَ } الإحباط والإبطال { عَلَى ٱللَّهِ } القادر لجميع ما ثبت في لوح قضائه { يَسِيراً } [الأحزاب: 19] سهلاً غير عسير عنده.

وإن استعسرتم أيها المحجوبون بالحجب الظلمانية الكثيفة، ومن كمال غيِّهم وضلالهم، ونهاية جبنهم ورعبهم من الأحزاب { يَحْسَبُونَ ٱلأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُواْ } ولم ينهزموا، مع أنهم ذهبوا منهزمين إلى حيث لم يبق منهم أحد { وَ } هم من كمال محبتهم ومودتهم مع الأحزاب { إِن يَأْتِ ٱلأَحْزَابُ } ويكروا بعد الفرار { يَوَدُّواْ } هؤلاء المنافقون إتيانهم إلى حيث تمنوا { لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ } ظاهرون { فِي } البدو { ٱلأَعْرَابِ } أي: فيما بينهم، خارجون عن أظهر المسلمين، لا حقون بالكفرة، معدودون من عدادهم حتى { يَسْأَلُونَ } كل قادم من قبلكم { عَنْ أَنبَآئِكُمْ } وأخباركم، وما جرى عليكم أيها المؤمنون من الوقائع الهائلة والمصيبات المهولة { وَ } من كمال ودادتهم مع الكفرة: { لَوْ } فُرض أنهم { كَانُواْ فِيكُمْ } وقت كر الكفرة عليكم { مَّا قَاتَلُوۤاْ } من المنافقين من قبلكم مع أعدائكم { إِلاَّ قَلِيلاً } [الأحزاب: 20] منهم، وهو أيضاً على سبيل الرياء والسمعة، ومقتضى ما زعموا من جلب النفع أو دفع الضر، لا لرضاء الله وإعلاء دينه ونصرة نبيه.