الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ يٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَوْ فِي ٱلأَرْضِ يَأْتِ بِهَا ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } * { يٰبُنَيَّ أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱنْهَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } * { وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي ٱلأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } * { وَٱقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَٱغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ ٱلأَصْوَاتِ لَصَوْتُ ٱلْحَمِيرِ }

وبعدما سجَّل لقمان على ابنه التوحيد بنفي ضده على طريق المبالغة والتأكيد، أراد أن ينبه عليه بأنه لا بدَّ له أن يحفظ على نفسه الأدب مع الله في كل الأحوال، بحيث لا يصدر عنه شيء يخالف توحيده، ولا يلائمه ولو كان ذرة حقيرة؛ إذ لا يعزب عن حيطة حضرة علمه سبحانه شيء، فقال أيضاً منادياً: { يٰبُنَيَّ إِنَّهَآ } أي: الخصلة الذميمة التي أتيت بها المنافية للتوحيد، أو الخصلة الحميدة الملائمة له، لا يعزب كلامهما عن علم الله مطلقاً، وبالجملة: { إِن تَكُ } فرضاً ما جئت به من الخصلة الذميمة والحميدة في صغر الحبة والوزن { مِثْقَالَ حَبَّةٍ } واحدة كائنة { مِّنْ خَرْدَلٍ } أي: هي مثل في الحقارة والصغر { فَتَكُنْ } أنت بعدما جئت بها { فِي صَخْرَةٍ } أي: جوفها، وهي أخفى المواضع وأستر الأمكنة { أَوْ فِي } أعلى { ٱلسَّمَٰوَٰتِ } وفوقها، وهو ما وراء الفلك الأطلس { أَوْ فِي } أسفل { ٱلأَرْضِ } وقعرها.

وبالجملة: إن كنت في أخفى الأماكن وأحفظها { يَأْتِ بِهَا } أي: بك وخصلتك التي صدرت عنك { ٱللَّهُ } الرقيب عليك في جميع حالاتك، ويجازيك بمقتضاها إن تعلق إرادته ومشيئته بأحضارك وإتيانها، وبالجلمة: { إِنَّ ٱللَّهَ } المطلع على السرائر والخفايا { لَطِيفٌ } لا يحجبه حجب، ولا يمنعه سدل { خَبِيرٌ } [لقمان: 16] ذو خبرة، يعلم كنه الأشياء وإن دقت ورقت ولا كتنه ذاته، مع أنه أظهر وأبين في ذاته من عموم مظاهره ومصنوعاته.

وبعدما سمعت { يٰبُنَيَّ } وصف ربك وحيطة علمه وقدرته، ولطافة إطلاعه وخبرته { أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ } أي: دوام ميلك نحوه بجميع أركان وجوارحك مخلصاً في ميلك ورجوعك إليه سبحانه، محرماً على نفسك جميع ما يشغلك عن ربك، مجرداً عارياً قلبك عن جميع منسوباتك ومقتضيات بشريتك ولوازم هويتك { وَأْمُرْ } يا بني على بني نوعك أولاً إن قصدت تكميلهم وإرشادهم إلى مقصد التوحيد { بِٱلْمَعْرُوفِ } المستحسن عقلاً وشرعاً، وكلم معهم على قدر عقولهم بلا إغراء ولا إغواء، ولا تفش عليهم سر التوحيد ما لم يستحقوا لحفظه، ولم يستعدوا له قبوله { وَٱنْهَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } المستهجن عقلاً وشرعاً، وعادةً ومرءوةً، ونبههم على وجه القبح والهجنة، وألطف معهم في تبيينها لعلهم يتفطنون بمقتضى فطرتهم التي فطروا عليها في بدء الأمر.

{ وَ } بالجملة: { ٱصْبِرْ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَ } في تمشية سلوك التوحيد، وتقوية طريقه، وكن متحملاً على مشاق الطاعات ومتاعب العبادات، وارض من ربك بجميع ما جرى عليك، وثبت لك في لوح قضائه { إِنَّ ذَلِكَ } المذكور؛ أي: كل واحد من الأمور المذكورة والخصائل المأمورة { مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } [لقمان: 17] أي: من الأمور التي عم الحق عليها، وأوجبها على أولي العزائم الصحيحة من خلَّص عباده إرشاداً لهم إلى وحدة ذاته، وزلال هدايته الصافية عن كدر الضلالات والجهالات.

السابقالتالي
2