الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي ٱلسَّمَآءِ كَيْفَ يَشَآءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى ٱلْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ فَإِذَآ أَصَابَ بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } * { وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ } * { فَٱنظُرْ إِلَىٰ آثَارِ رَحْمَتِ ٱللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ ٱلْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً لَّظَلُّواْ مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ } * { فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ وَلاَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ } * { وَمَآ أَنتَ بِهَادِ ٱلْعُمْيِ عَن ضَلاَلَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُّسْلِمُونَ }

فكيف لا يقبل منهم أولئك البعداء، المنكرون المسرفون وحي العحق إياهم وإلهامهم عليه، مع أنه { ٱللَّهُ } الجامع لجميع مراتب الأسماء والصفات الظاهرة، المتجلي على مقتضاها بالاستقلال إرادةً واختياراً { ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ } المنتشئة من محض فضله وجوده بلا سبق سبب يوجبها، وعلة تقتضيها على ما جرى عليه عادته سبحانه في سائر الموجودات { فَتُثِيرُ } وتحرك أجزاء البخار والدخان، ويمتزج بعضها مع بعض فتركمها وتكشفها حتى صارت { سَحَاباً } هامراً { فَيَبْسُطُهُ } سبحانه { فِي } جو { ٱلسَّمَآءِ كَيْفَ يَشَآءُ } عرضاً وطولاً، سائراً وواقفاً، مطبقاً وغير مطبقٍ، إلى غير ذلك من الأوضاع الممكنة الورود عليها.

{ وَ } بعدما مهدة سبحانه وبسطه { يَجْعَلُهُ كِسَفاً } أي: قطعاً مختلفة { فَتَرَى } أيها الرائي { ٱلْوَدْقَ } المطر { يَخْرُجُ } ويفيض { مِنْ خِلاَلِهِ } وفتوقه بعدما تكوَّن فيه بقدرة الله من اجتماع أجزاء الأبخرة والأدخنة المتصاعدة الممتزجة، المتراكمة المتكاثفة، المتفاعلة بعضها مع بعض إلى أن صارت ماء فتقطر وتسيل { فَإِذَآ أَصَابَ بِهِ } أراضي { مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } عنايةً منه سبحانه إياهم، وتفضلاً عليهم { إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } [الروم: 48] أي: فوجئوا بنزوله إلى أنواع الاستبشار والابتهاج، والفرح والسرور متفائلين بنزوله إلى الخصب والرخاء، وأنواع البهجة والصفاء.

{ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ } المطر { مِّن قَبْلِهِ } أي: من قبل ثوران الأبخرة والأدخنة، وانعقاد السحب وتراكمها منها { لَمُبْلِسِينَ } [الروم: 49] آيسين قانطين؛ لطول عهد عدم نزوله إياهم.

{ فَٱنظُرْ } أيها المؤمن المعتبر، الناظر بنور الله { إِلَىٰ آثَارِ رَحْمَتِ ٱللَّهِ } وكمال فضله وجوده { كَيْفَ يُحْيِ } ويخضر { ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ } أي: جمودها ويبسها، وعدم نضارتها ونزاهتها، ويظهر أنواع الأزهار والأثمار عنايةً منه سبحانه لعباده، وفضلاً لهم؛ ليتزودوا بها ويسلكوا سبيل هدايته وتوحيده { إِنَّ ذَلِكَ } القادر المقتدر بالإرادة التامة و الاختيار الكامل { لَمُحْيِ ٱلْمَوْتَىٰ } ومخرجها ألبتة من قبورها وقت تعلق إرادته بإحيائها { وَ } كيف لا { هُوَ } بذاته { عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ } دخل في حيطة حضرة علمه وإرادته { قَدِيرٌ } [الروم: 50] على الوجه الأتم الأكمل بلا فتور وقصور؟!.

{ وَ } من عدم رسوخهم في الدين القويم، وقلة تثبتهم على الصراط المستقيم { لَئِنْ أَرْسَلْنَا } عليهم { رِيحاً فَرَأَوْهُ } أي: ما هبت عليه من الزروع { مُصْفَرّاً } من أثرها بعدما كان مخضراً؛ يعني: لا يربى زروعهم ولا ينميها، بل يضعفها ويرديها، مع أن إضرارها واصفرارها أيضاً إما هو بشؤم ما اقترفوا من المعاصي والآثام { لَّظَلُّواْ مِن بَعْدِهِ } أي: صاروا وأخذوا بعد اصفراره { يَكْفُرُونَ } [الروم: 51] بالله وبنعمه، وينكرون بعموم فضله وكرمه، مع أن أخذهم بالبأساء والضراء؛ إنما هو ليتضرعوا نحوه، ويلتجئوا إليه منيبين خاشعين خاضعين؛ ليكشف عنهم ما يضرهم؛ إذ لا كاشف إلا هو، ولا منجي لهم سواه.

وبالجملة: هم من خبث طينتهم، وجمود قريحتهم أموات حقيقة ومعنى، وإن كانوا من الأحياء صورة، لا تبال يا أكمل الرسل بهم وبشأنهم، ولا تجتهد إلى إهدائهم وتكميلهم { فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ } أي: ليس في وسعك وطاقتك إسماع الموتى، بل ما عليك إلا التبليغ والدعوة { وَلاَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ } الجبلي { ٱلدُّعَآءَ } والدعوة، سيما { إِذَا وَلَّوْاْ } وانصرفوا عنك { مُدْبِرِينَ } [الروم: 52] معرضين منكرين لك، مكذبين رسالتك ودعوتك.

السابقالتالي
2