الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُواْ بِهِ يُشْرِكُونَ } * { وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُواْ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ } * { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { فَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَاْ فِي أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ ٱللَّهِ وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ }

{ أَمْ أَنزَلْنَا } يعني: بل أنزلنا { عَلَيْهِمْ } حينئذٍ { سُلْطَاناً } ملكاً ذا سلطنة وسطوة { فَهُوَ يَتَكَلَّمُ } معهم، ويذكرهم { بِمَا كَانُواْ بِهِ يُشْرِكُونَ } [الروم: 35] أي: بجميع ما صدر عنهم من الشرك والكفران، وأنواع الفسوق والعصيان بلا فوت شيءٍ منها.

ثمَّ قال سبحانه: { وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً } وأعطيناهم نعمة وسعة في الرزق، وصحة في الجسم على الترادف والتوالي { فَرِحُواْ بِهَا } وأفرطوا في الفرح والسرور إلى أن بطروا، وباهوا مفتخرين بما عندهم من الأسباب { وَإِن تُصِبْهُمْ } أحياناً { سَيِّئَةٌ } مثل جدب وعناء، ومصيبة وبلاء تسوءهم، مع أنهم إنما أصابهم { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } أي: بشؤم ما اقترفوا من المفاسد والمعاصي الموجبة للبطش والانتقام، فانتقمنا منهم؛ لذلك { إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ } [الروم: 36] أي: فجاءوا على اليأس والقنوط منا بحيث لا يتوجهون إلينا؛ لكشفها وتفريجها، بل لا يعتقدون قدرتنا على كشفها ورفعها.

{ أَ } ينكرون قدرتنا أولئك المنكرون المفرطون { وَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ } القادر على أنواع اللطف والكرم كيف { يَبْسُطُ } ويفيض { ٱلرِّزْقَ } الصوري والمعنوي { لِمَن يَشَآءُ } بسطه إياه { وَ } كيف { يَقْدِرُ } ويقبض لمن يشاء قبضه عنه على مقتضى حكمته المتقنة؟! { إِنَّ فِي ذَلِكَ } القبض والبسط { لآيَاتٍ } دلائل واضحات، وشواهد لائحات { لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [الروم: 37] بتوحيد الله وأوصافه الذاتية الكاملة الجارية آثارها على مقتضى الحكمة والعدالة الإلهية، المعبرة عنها بالصراط القويم والقسطاس المستقيم.

وبعدما أشار سبحانه إلى بسط الرزق على من يشاء، وقبضه عمن يشاء إرادةً واختياراً، أراد أن يشير إلى مصارفه فقال مخاطباً لحبيبه صلى الله عليه وسلم؛ إذ هو جدير بأمثال هذه الخطابات الإلهية: { فَآتِ } وأعط يا أكمل الرسل من فواضل ما رزق لك من النعم { ذَا ٱلْقُرْبَىٰ } المنتمين إليك من قِبَل أبويك { حَقَّهُ } أي: ما يليق به من الصلة وحفظه ورعايته، فهم أولى وأحق بالرعاية من غيرهم { وَ } بعد أولئك الأولى بالرعاية: { ٱلْمِسْكِينَ } وهو الذي أسكنه الفقر من هاوية الهوان، وزاوية الحرمان { وَ } أعط بعده: { ٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ } وهم الذين فارقوا عن الأموال والأوطان بأسباب أباحها الشرع لهم { ذَلِكَ } التصرف المذكور { خَيْرٌ } في الدنيا والآخرة { لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ } بأموالهم وصرفها { وَجْهَ ٱللَّهِ } وابتغاء مرضاته، وخوضاً في طريق شكره، أداء حق شيء من نعمه وفواضل كرمه { وَ } بالجملة: { أُوْلَـٰئِكَ } الباذلون أموالهم في سبيل الله على الوجه الذي أمرهم الحق به { هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } [الروم: 38] المصورون على الفوز والفلاح من عنده سبحانهز

ثمَّ أشار سبحانه إلى أحوال الجهلة الذين بذلوا أموالهم؛ لطلب الجاه والثروة والسمعة، وازدياد مال صديقه بلا وجه الله وابتغاء رضوانه وطلب الثواب منه، بل لمجرد الكبر والخيلاء، فقال: { وَمَآ آتَيْتُمْ } وأعطيتم مما عندكم { مِّن رِّباً } زيادة من أموالكم حاصلة من الربا، إنما أعطيتم { لِّيَرْبُوَاْ } ويزيد { فِي أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ } مكافأة لهم، أو نية فاسدة أخرى بلا امتثال أمر الله وطلب مرضاته { فَلاَ يَرْبُواْ } ولا يزيد لكم صرفكم هذا { عِندَ ٱللَّهِ } شيئاً من الثواب، بل لا يقبل عنده سبحانه أصلاً؛ لإفسادكم في أغراضكم ونياتكم { وَ } أمَّا { مَآ آتَيْتُمْ } وأعطيتم للفقراء { مِّن زَكَاةٍ } قد فرضها سبحانه عليكم امتثالاً لأمره، وإطاعةً لدينه على الوجه الذي أُمرتم به، مع أنكم { تُرِيدُونَ } وتقصدون بإخراجها وصرفها { وَجْهَ ٱللَّهِ } ومحض رضاه بلا خلط شيء من أماني أهويتكم، وتسويلات أمارتكم معها { فَأُوْلَـٰئِكَ } الفاعلون للزكاة على الوجه المذكور المأمور { هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ } [الروم: 39] عند الله ثوابها إلى سبعين، بل إلى سبعمائة، بل إلى ما شاء الله عنايةً من الله، وإفضالاً لهم.