وكيف يستهزئ أولئك المسرفون مع الله ورسله وآياته النازلة من عنده؛ إذ { ٱللَّهُ } المستقل بالتصرف في ملكه وملكوته { يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ } ويبدع المخلوقات من كتم العدم بلا سبق مادة وزمان، ويظهر في فضاء الوجود، ثمَّ يميته ويعدمه { ثُمَّ يُعِيدُهُ } حياً كذلك في النشأة الأخرى بعد انقراض النشأة الأولى { ثُمَّ } بعد العرض وتنقيد الأعمال { إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [الروم: 11] رجوع الأمواج إلى البحر. { وَ } اذكر لهم يا أكمل الرسل { يَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ } المعدة للعرض والجزاء { يُبْلِسُ ٱلْمُجْرِمُونَ } [الروم: 12] أي: يسكنون حيارى سكارى، تائهين هائمين آيسين عن الخلاص. { وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ } حينئذٍ { مِّن شُرَكَآئِهِمْ } ومعبوداتهم { شُفَعَاءُ } يجتهدون لخلاصهم وإنقاذهم من عذاب الله على مقتضى ما هو زعمهم إياهم، بل { وَ } هم حينئذٍ { كَانُواْ بِشُرَكَآئِهِمْ كَافِرِينَ } [الروم: 13] ينكرون ويكفرون بهم حيث يئسوا عنهم، وقنطوا عن شفاعتهم. { وَ } اذكر يا أكمل الرسل { يَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ } التي يحشر فيها الأموات ويعرضون على الله بما اقترفوا في دار الابتلاء من الحسنات والسيئات { يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ } [الروم: 14] فرقاً فرقاً، وفوجاً فوجاً كل مع شاكلته في الإيمان والكفر، والصلاح والفساد. { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بالله وكتبه ورسله في دار الاختبار { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } المؤكدة لإيمانهم فيها { فَهُمْ } حينئذٍ من كمال فرحهم وسرورهم { فِي رَوْضَةٍ } ذات أزهارٍ وأنوارٍ وأنهارٍ { يُحْبَرُونَ } [الروم: 15] يتنزهون ويسيرون مسرورين متنعمين. { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بتوحيدنا { وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } المنزلة من عندنا على رسلنا { وَلِقَآءِ ٱلآخِرَةِ } أي: أنكروا بلقائها في النشأة الأخرى، مع أنا وعدناهم على ألسنة رسلنا إياهم { فَأُوْلَـٰئِكَ } الأشقياء المردودون عن ساحة عز الحضور { فِي ٱلْعَذَابِ } المؤبَّد المخلَّد { مُحْضَرُونَ } [الروم: 16] لا نجاة لهم منه، أعاذنا الله من ذلك.