{ وَ } من غاية حسدهم ونهاية بغضهم أنهم احتالوا واستخدعوا لإضلال المسلمين حيث { قَالَتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } لأصحابه وجلسائه على وجه الحيل والمخادعة: { آمِنُواْ } استهزاءً و تسفيهاً { بِٱلَّذِيۤ } يدعون أنه { أُنْزِلَ } عليه موافقة { عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } به { وَجْهَ ٱلنَّهَارِ } أي: أول بدو النهار؛ ليفرحوا ويسروا بموافقتكم إياه { وَٱكْفُرُوۤاْ آخِرَهُ } أي: اتركوه وأنكروا عليه في آخر النهار، معللين بأنا لم نجد محمداً على الوصف الذي ذكر في كتابنا؛ ليترددوا ويضطربوا بمخالفتكم، افعلوا كذلك دائماً { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [آل عمران: 72] رجاء أن يرجعوا عن دينهم وإيمانهم. { وَلاَ تُؤْمِنُوۤاْ } أي: لا تخلصوا عن صميم القلب، ولا تظهروا تصديقكم { إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ } من إخوانكم وأصحابكم المتدينين بدين آبائكم وأسلافكم { قُلْ } لهم يا أكمل الرسل رداً لمخادعتهم ودفعاً لحيلتهم كلاماً ناشئاً عن محض الحكمة: { إِنَّ ٱلْهُدَىٰ } الموصل إلى سواء السبيل { هُدَى ٱللَّهِ } الهادي لعباده، يهدي من يشاء إلى طريق توحيده، ويُضِّل عنه من يشاء، وإنما دبرتم وخادعتم { أَن يُؤْتَىۤ } أي: لأنْ يؤتى { أَحَدٌ مِّثْلَ مَآ أُوتِيتُمْ } من الكفر والإنكار بمحمد صلى الله عليه وسلم { أَوْ يُحَآجُّوكُمْ } أي: يغلبوكم بهذا الخداع والتدبير { عِندَ رَبِّكُمْ } على زعمكم الفاسد واعتقادكم الباطل { قُلْ } يا أكمل الرسل: لا تغتروا بمزخرفات عقولكم، ولا تطمئنوا بمقتضياتها؛ إذ هو صار عن المعرفة خصوصاً عند تزاحم الوهم، بل { إِنَّ ٱلْفَضْلَ } والهداية { بِيَدِ ٱللَّهِ } بقدرته ومشيئته { يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ } بلا معاينة العقل ونصرته { وَٱللَّهُ } الهادي لعباده { وَاسِعٌ } في فضله وهدايته، لا حصر لطريق إلهامه وعلمه { عَلِيمٌ } [آل عمران: 73] باستعدادات عباده، يوصل كلاً منهم إلى توحيده بطريق يناسب استعداده. بل { يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ } الواسعة الشاملة لجميع الفضائل والكمالات { مَن يَشَآءُ } من خلَّص عباده، تفضلاً عليه من عنده من استعداداتهم ما لا يدرك غوره، ولا يكتنه طوره { وَاللَّهُ } المتجلي بجميع الكمالات { ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } [آل عمران: 74] واللطف الجسيم على بعض مظاهره من الأنبياء والأولياء الذين فنيت هوياتهم البشرية بالكلية في بحر الوحدة، وتجردوا عن جلبابها بالمرة.