الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ فَوْقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } * { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ } * { ذٰلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَٱلذِّكْرِ ٱلْحَكِيمِ }

اذكر يا أكمل الرسل { إِذْ قَالَ ٱللَّهُ } إعلاماً لعيسى عليه السلام حين هموا بقتله وعينوا من اغتال عليه وهو غافل عن كيدههم: { يٰعِيسَىٰ إِنِّي } بغلبة لاهوتيتي عليك { مُتَوَفِّيكَ } مصفيك عن ناسوتيتك المانعة عن الوصول إلى مقر العز { وَ } بعد تصفيتك عن كدورة ناسوتيتك { رَافِعُكَ } بعد ارتفاع موانعك { إِلَيَّ } إذ لا مرجع لك غيري { وَ } بعد رفعك { مُطَهِّرُكَ } ومزكيك { مِنَ } حجاب { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } ستروا بغيوب أنانتيك الباطلة شمس الذات الظاهرة على جميع الذرات { وَ } إني بعد رفعك إليَّ { جَاعِلُ ٱلَّذِينَ } آمنوا بك و { ٱتَّبَعُوكَ } في جميع ما جئت به لإصلاح حالهم { فَوْقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي: أعلى رتبة وأشرف منزلة ومكانة { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } بحيثضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلْمَسْكَنَةُ وَبَآءُو بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ } [البقرة: 61] ولهم عذاب أليم.

وبعد ظهور عيسى عيه السلام لم يتفق غلبة اليهود أصلاً، بل كانوا منكوبين منكوسين دائماً إلى الآن { ثُمَّ } قال سبحانه بلسان التوحيد على وجه التنبيه لعيسى ولمن آمن له، ولمن أنكر عليه وكفر: { إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ } جميعاً في النشأة الأخرى أيها المختلفون في أمر الدين والإطاعة والإيمان والكفر في النشأة الأولى { فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ } بعد رجوعكم إليَّ { فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } [آل عمران: 55] لعى مقتضى علمي وإرادتي.

ثمَّ فصل سبحانه حكمه بقوله: { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } ستروا سبيل الحق الظاهر عن مشكاة النبوة والرسالة؛ عناداً واستكباراً، وكذبوا الأنبياء، وأنكروا ما جاءوا من الأحكام والمواعظ والحكم والعبر وأصروا عليها { فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً } أطردهم وأبعدهم { فِي ٱلدُّنْيَا } بالمذلة والصغار والإجلاء وضرب الجزية { وَ } في { ٱلآخِرَةِ } بجهنم البعد والخذلان، وسعير الطرج والحرمان { وَمَا لَهُمْ } بعد ظهور الدين الناسخ للأديان المارضية { مِّن نَّاصِرِينَ } [آل عمران: 56] من الأنبياء الذين يدعون الإيمان بهم، ويدعونهم بدينهم وكتابهم، ينصرونهم وينقذونهم من عذاب الله؛ لتركهم العمل بالناسخ.

{ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُوا } بالدين الناسخ والكتاب الناسخ، واتبعوا النبي الذي جاء به من عند ربه { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } المأمورة فيه؛ انقياداً وامتناناً { فَيُوَفِّيهِمْ } أي: في النشأة الأخرى { أُجُورَهُمْ } أي: يوفي عليهم أجور أعمالهم بأضعاف ما عملوا؛ تفضلاً عليهم بمحبة الله إياهم بسبب امتثال أوامره وإطاعة رسله { وَٱللَّهُ } الهادي للعباد { لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ } [آل عمران: 57] الخارجين عن حدوده المنزلة على رسله، المكاشفين تحقيق توحيده، وما يحصل لهم الظلم والخروج إلا بمتابعة عقولهم السخيفة بظلام الموهم المفضل عن الطريق المستبين.

{ ذٰلِكَ } المذكور من نبأ عيسى عليه السلام وغيره الذي { نَتْلُوهُ عَلَيْكَ } يا أكمل الرسل مع كونك خالي الذهن عنه ولم تتعلم من معلم بشري، والحال أنك أمي، إنما هي { مِنَ الآيَاتِ } المنزلة عليك من عندنا الدالة على نبوتك ورسالتك { وَ } من { ٱلذِّكْرِ ٱلْحَكِيمِ } [آل عمران: 58] الكلام المجيد المحكم المشتمل على الحكم المتقنة والأحكام المبرمة الصادرة عن محض الحكمة، لا يأتيه الباطل ولا يقربه النسخ والتبديل.