الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ } * { فَنَادَتْهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي ٱلْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـىٰ مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِي ٱلْكِبَرُ وَٱمْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ ٱللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ } * { قَالَ رَبِّ ٱجْعَلْ لِّيۤ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَٱذْكُر رَّبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِبْكَارِ }

ولما سمع زكريا منها ما سمع ورأى ما رأى { هُنَالِكَ } أي: في ذلك الوقت والزمان { دَعَا زَكَرِيَّا } المراقب لنفحات الله في جميع حالاته { رَبَّهُ } الذر رباه بتعرض نفحاته لإصلاح حاله متمنياً في دعائه خلفاً يحيي اسمه حيث { قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً } بريئة عن جميع الرذائل والنقائض كما وهبتها لامرأة عمران { إِنَّكَ } بإحاطتك على سرائر عبادك { سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ } [آل عمران: 38] أي: الدعاء الصادر عن ألسنة استعداداتهم بإلقائك على قلوبهم.

ولما كان دعاؤه صادراً عن عزيمة صحيحة واردة في وقت قدر الله في علمه، بادر سبحانه إلى إجابته، أمر الملائكة بتبشيره { فَنَادَتْهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ } بأمر ربهم { وَهُوَ } في تلك الحالة مترصد للإجابة { قَائِمٌ } للخضوع والتذلل { يُصَلِّي } لله، ويميل إليه مقبلاً عليه { فِي ٱلْمِحْرَابِ } المعد للاستقبال قائلين له، منادين عليه: يا زكريا { أَنَّ اللَّهَ } السميع لدعائك يجيبك { يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـىٰ } بابن سمي من عنده بيحيى، لتضمن دعائك بمن يحيي اسمك، ثم لما كان الباعث لك على هذا الدعاء مشاهدة الخوارق والإرهاصات الظاهرة من مريم - رضي الله عنها - صار ابنك الموهوب لك { مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ } لابنها الحاصل لها بلا مباشرة زوج بل صادرة { مِّنَ ٱللَّهِ } سمي من عنده المسيح { وَ } مع كونه مصدقاً بعيسى عليه السلام بصير { سَيِّداً } فائقاً على أهل زمانه بالزهد والتقوى، فإنه عليه السلام كان في حايته ما هم بمعصية قط { وَ } مع كون يحيى سيداً ورئيساً في قومه { حَصُوراً } مبالغاً في حبس نفسه عن مشتهياتها مع القدرة عليها { وَ } يصير بسبب اتصافه بالأوصاف المذكورة { نَبِيّاً مِّنَ } الأنبياء { ٱلصَّالِحِينَ } [آل عمران: 39] لتبليغ أحكام الله إلى عباده وأهدائهم إلى جنابه.

ولما سمع زكريا من الملائكة ما سمع { قَالَ } متحيراً مستعبداً لكونه على خلاف جري العادة: { رَبِّ } يا من رباني بنعمك إلى كبر سني { أَنَّىٰ } من أين { يَكُونُ لِي غُلاَمٌ } في هذا السن { وَقَدْ بَلَغَنِي ٱلْكِبَرُ } غايتها { وَ } الحال إن { ٱمْرَأَتِي عَاقِرٌ } ذات عقر من الأولاد في أصل الخلقة، ومع ذلك كبيرة لا يرجى منها الولادة { قَالَ } له حبرائيل بوحي الله: لا تستبعده، فإنه يكون { كَذَلِكَ } أي: مثل ما قلت بلا سبب موافق لجري العادة؛ إذ { ٱللَّهُ } القادر المختار { يَفْعَلُ } يخلق ويوجد { مَا يَشَآءُ } [آل عمران: 40] من الموجودات إيجاداً إبداعياً بلا سبق سبب ومادة.

فلك أن ترتفع غشاوة الأسباب الحاجبة عن البين، وتنسب ما جرى في ملكه إليه بلا رؤية الوسائط والأسباب؛ إذ لا حجاب عند أولي الألباب، بل كل ما صدر عنه لا يتوقف على شيء من سوابقه، ولا يتوقف عليه شيء من لواحقه عند أولي البصائر، الناظرين بنور الله في تجددات تجليات الوجود الإلهي.

السابقالتالي
2