الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ لَكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ } * { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ لَمَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَٰشِعِينَ للَّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَـٰتِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلـٰئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } * { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

{ لَكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ } عن الاشتغال بزخرفة الدنيا وأمتعتها، منيبين إليه، متوجهين نحوه { لَهُمْ } عنده { جَنَّاتٌ } منتزها من اللذة الروحانية { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } من العلوم الدينية { خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ } حين وصلوا إليه { وَ } اعلموا أيها المؤمنون { مَا عِندَ ٱللَّهِ } من المثوبات المستمرة واللذات الدائمة { خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ } [آل عمران: 198] المتوجهين إلى دار القرار.

{ وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ لَمَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ } المنزل للكتب المرسلة للرسل { وَ } لا يفرق بين الكتب والرسل أصلاً، بل يؤمن بجميع { مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ } من القرآن والرسول الذي هو سيدنا محمد عليه السلام { وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ } من التوراة والإنجيل، المنزلين على موسى وعيسى - عليهما السلام - وكذا على سائر الكتب المنزلة من عنده؛ لتحققهم في مقام العبودية والتوحيد، وهم في هذا الإيمان والإذعان { خَٰشِعِينَ للَّهِ } مخلصين له.

وعلامة خشوعهم وإخلاصهم أنهم { لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَـٰتِ ٱللَّهِ } أي: بتبديلها { ثَمَناً قَلِيلاً } من الرشى، مثل أحبار اليهود ومتفقهة هذه الأمة في هذا العصر - خذلهم الله - وهم الذين يحتالون في أحكام الشريعة الغراء على مقتضى هويتم الفاسدة، ويأخذون الرشى؛ لأجل حيلهم الباطلة، ويسمونها حيلة شرعية، كأنه ظهر ما قال صلى الله عليه وسلم: " بدأ غريباً، وسيعود غريباً " ، { أُوْلـٰئِكَ } المخلصون، الخاشعون { لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ } يوفيهم أجورهم من حيث لا يحتسبون { إِنَّ ٱللَّهَ } المطلع لضمائرهم { سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } آل عمران: 199] يحاسب أعمالهم، ويجازيهم عليها سريعاً، بل يزيد عليهم؛ تفضلاً وامتناناً.

{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بتوحيد الله، مقتضى إيمانكم الصبر على متاعب مسالك التوحيد { ٱصْبِرُواْ } على مشاق التكليفات الواقعة فيها { وَصَابِرُواْ } عالبوا على القوى النفسانية العائقة عن الرياضات المزكية للأهوية الفاسدة { وَرَابِطُواْ } قلوبكم على المشاهدات والمكاشفات الواردة من النسمات الإلهية والنفسات الرحمانية { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } عن جميع اما يعوقكم ويشغلكم { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [آل عمران: 200] تفوزون منه بما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

ربنا أفرغ علينا صبراً، وتوفنا مسلمين، واحشرنا مع الصابرين المرابطين، هب لنا من لدنك رحمة إنك أرحم الراحمين.

خاتمة السورة

عليك أيها المحمدي المترصد لفيضان الكشف والشهود واليقين، ونزول الاطمئنان والتمكين أن تتصبر بما جرى عليك من المصيبات والبليات المشعرة للاختبارات الإلهية، وابتلائه عن رسوخ قدمك في جادة التوحيد، وصدق عزيمتك في مسلك الفناء، وعلو همتك في التحقق بدار البقاء.

وتربط قلبك بحقك الذي هو أصلك وحقيقتك، مقبلاً عليه، متوجهاً إليه، مجتنباً عن جميع ما يعوقك عنه من لوازم ماهيتك وهويتك التي لا حقيقة لها عند التحقيق والإقرار لما يترتب عليها وعلى لوازمها؛ إذ هي أعراض متبدلة، وأظلال باطلة، وإعدام صرفة زائلة لا تحقق لها، ولا آثار لها أصلاً سوى أن الوجود الحق انبسط عليها، وامتد إليها بجميع كمالات، فانعكس منه فيها ما انعكس، فيتراءى العكوس والأظلال مشعشعة متجددة دائماً بمقتضى تجدد تجليات الأوصاف والأسماء، فظن المحجوبون أنها متناصلات، وهي عند التحقيق تجلٍ واحد على هذا المنوال.

السابقالتالي
2