ولما تضرعوا إلى الله، والتجأوا إليه، وندموا عمَّا هم عليه { فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ } فاستقبل عليهم بالإجابة قائلاً: { أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ } مخلص { مِّنْكُمْ } سواء كان { مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ } إذ { بَعْضُكُم } ناشئ { مِّن بَعْضٍ } ذكركم من أنثاكم، وأنثاكم من ذكركم في الإنسانية والمظهرية الجامعة اللائقة للخلافة، { فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ } منكم من دار الغرور، طالباً الوصول إلى دار السرور { وَأُخْرِجُواْ } بسبب هذا الميل { مِن دِيَـٰرِهِمْ } المألوفة التي هي بقعة الإمكان { وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي } بسبب قطع التعلقات وترك المألوفات { وَقَـٰتَلُواْ } مع القوى الحيوانية { وَقُتِلُواْ } في الجهاد الأكبر.
{ لأُكَفِّرَنَّ } لأمحونَّ وأطهرنَّ { عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ } التي هي ذواتهم الباطلة، الهالكة { وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّـٰتٍ } ملاحظات ومكاشفات ومشاهدات { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ } أي: أنهار المعارف والحقائق دائماً، متجدداً { ثَوَاباً } نازلاً { مِّن عِندِ ٱللَّهِ } تفضلاً وامتناناً { وَٱللَّهُ } المستجمع شتات العباد { عِندَهُ حُسْنُ ٱلثَّوَابِ } [آل عمران: 195] وخير المنقلب والمآب.
{ لاَ يَغُرَّنَّكَ } يا أكمل الرسل { تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي: انتقالهم وإرتحالهم { فِي ٱلْبِلاَدِ } [آل عمران: 196] لاستجلاب المنافع والمتاجر.
إذ هو { مَتَاعٌ قَلِيلٌ } لذة يسيرة في مدة قسيرة { ثُمَّ } بعد انقضاء النشأة الأولى { مَأْوَاهُمْ } ومنقلبهم { جَهَنَّمُ } البعد والخذلان، خالدين فيها أبداً { وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } [آل عمران: 197] مهد نيران الحرمان.