{ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ } استدبروا وتخلفوا { مِنكُمْ } أيها المؤمنون؛ ترهيباً وجبناً، بلا كفر ونفاق { يَوْمَ } وقت { ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ } الصفَّان للقتال { إِنَّمَا ٱسْتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيْطَانُ } وأزال قدمهم عن التثبت والتفرد { بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ } بشؤم بعض ما كسبوا، بتسويلات نفوسهم التي هي من جنود الشيطان { وَ } بعدما ندموا واستغفروا، وأخلصوا الرجوع إلى الله { لَقَدْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهُمْ } بلطفه { إِنَّ ٱللَّهَ } العفو عن ذنوب عباده { غَفُورٌ } ستَّار لهم ما صدر عنهم الآثام { حَلِيمٌ } [آل عمران: 155] لا يعجل بالبطس والانتقام؛ ليتوبوا ويرجعوا.
{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } عليكم أن تحافظوا على مقتضى الإيمان والتوحيد، ولا تنسبوا الحوادث إلى غير الله، بل تفوضوا جميعاً إلى الله أصاله حتى { لاَ تَكُونُواْ } أيها المؤمنون { كَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بالله بانتساب الحوادث إلى الأسباب أولاً وبالذات { وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ } الذين ماتوا في حقهم { إِذَا ضَرَبُواْ } سافروا { فِي ٱلأَرْضِ } للتجارة والسياحة { أَوْ } قتلوا، أو { كَانُواْ غُزًّى } غازين في سبيل الله، طالبين رتبة الشهادة:
{ لَّوْ كَانُواْ } هؤلاء الميتين والمقتولين متوكلين، متمكنين { عِنْدَنَا مَا مَاتُواْ } في الغربة { وَمَا قُتِلُواْ } في يد العدو، معتقدين أن وما أصابهم، إنما أصابهم من الغزو والغربة لا من الله، وإنما أخطرهم سبحانه بهذا الرأي، وأقوالهم بهذا القول { لِيَجْعَلَ ٱللَّهُ } المنتقم منهم في النشأة الأولى والأخرى { ذٰلِكَ } الحزن والأسف { حَسْرَةً } مستمكنة { فِي قُلُوبِهِمْ } وتمرضهم وتضعفهم بها في الدنيا، وتعذبهم في الآخرة { وَٱللَّهُ } القادر المقتدر، المستقل في الإحياء والإماتة { يُحْيِـي } بلطفه { وَيُمِيتُ } يقهره بلا مظاهرة ولا مشاركة { وَٱللَّهُ } المطلع لسرائر عباده { بِمَا تَعْمَلُونَ } أيها المؤمنون { بَصِيرٌ } [آل عمران: 156] ناقد خبير، يميز ويصفي إخلاصكم من الرعونة والرياء، وأعمالكم من الميل إلى البدع والأهواء.
{ وَ } الله أيها المؤمنون المتوجهون إلى الله، الطالبون الوصول إلى زلال توحيده { لَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } طالبين لرضاه { أَوْ مُتُّمْ } قبل موتكم، سالكين، سيَّاحين في طريق الفناء فيه { لَمَغْفِرَةٌ } سترة ساترة لأنانيتكم، ناشئة { مِّنَ } ضرب { ٱللَّهِ } لكم إلى توحيده الذاتي { وَرَحْمَةٌ } فائضة منه، مفنية لهوياتكم بالمرة في هويته { خَيْرٌ } لكم { مِّمَّا يَجْمَعُونَ } [آل عمران: 157] وتدخرون أنتم لأنفسكم بهوياتكم الباطلة، وإن كنتم خيرين فيها.