واذكر أيها المؤمنون قبح صنيعكم، وستحيوا من الله، وتندموا عما صدر منكم وقت { إِذْ تُصْعِدُونَ } تذهبون إلى الأباعد؛ خوفاً من العدو، فارين من الزحف، متخالفين لرسول الله { وَ } عند ذهابكم وفراركم { لاَ تَلْوُونَ } تلتفتون على أعقابكم، ولا تنتظرون { عَلَىٰ أحَدٍ } من إخوانكم { وَٱلرَّسُولُ } صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة { يَدْعُوكُمْ } ويناديكم صارخاً: إليَّ عباد الله، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم { فِيۤ أُخْرَٰكُمْ } ساقتكم وعصيانكم، ولم يلتفت أحد منكم إلى عقبه لإجابة دعائه صلى الله عليه وسلم. ومع ذلك لم تنجوا سالمين { فَأَثَـٰبَكُمْ } أورثكم الله، المصلح لأحوالكم؛ تأديباً لكم، متصلاً { غَمّاًً بِغَمٍّ } آخر، حيث أحاطت بكم الغموم من القتل والجرح والإرجاف بقتل الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما فعل بكم ما فعل { لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ } من النهب والغنيمة { وَلاَ مَآ أَصَـٰبَكُمْ } من الفرار والهزيمة، ولتتمكنوا أو تتمرنوا في مقام الرضا والتسليم، ولا تخالفوا أمر الله ورسوله { وَٱللَّهُ } المدبر لأمروكم { خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } [آل عمران: 153] بمقتضى تسويلات نفوسكم الأمَّارة بالسوء، فيجازيكم بها؛ لكي تتنبهوا وتسلموا أموركم إلى الله وتتحققوا بالتوحيد الذاتي. { ثُمَّ } لما تبتم ورجعتم إلى الله، وندمتم عمَّا فعلتم { أَنزَلَ عَلَيْكُمْ } امتناناً لكم وتفضلاً { مِّن بَعْدِ ٱلْغَمِّ } المفرط { أَمَنَةً } طمأنينة ووقاراً، حيث تورث { نُّعَاساً } رقدة ونوماً { يَغْشَىٰ طَآئِفَةً مِّنْكُمْ } وهم المتحقوون بمقام العبودية، الراضون بما جرى عليهم من القضاء، لا يشوشهم السراء والضراء { وَطَآئِفَةٌ } من منافقيكم { قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ } أي: أوقعتهم نفوسهم وأمانيتهم في الهموم والغموم المبعدة عن مقام التفويض والتسليم إلى حيث { يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ } ظناً باطلاً { غَيْرَ } ظن { ٱلْحَقِّ } بل { ظَنَّ ٱلْجَٰهِلِيَّةِ } حيث { يَقُولُونَ } لرسول الله استكشافاً ظاهراً، أو استنكافاً خفيةً: { هَل لَّنَا مِنَ ٱلأَمْرِ } أي: أمر الله الذي وعدتنا والنصر والظفر { مِن شَيْءٍ } أم الأمر للعدو دائماً، واليد له مستمراً؟ { قُلْ } لهم يا أكمل الرسل إلزاماً وتبكيتاً: { إِنَّ ٱلأَمْرَ } أي: أمر جميع ما كان وما يكون { كُلَّهُ للَّهِ } اولاً، وبالذات بلا رؤية الوسائط والوسائل في البين، وهم من غاية عماهم { يُخْفُونَ فِيۤ أَنْفُسِهِم } من البُغض والنفاق { مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ } بل يبدون لإخوانهم، إذا خلا بعضهم بعضاً حتى { يَقُولُونَ } متهكمين، مستهزئين: { لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَٰهُنَا } مهانين، مظلومين { قُل } لهم يا أكمل الرسل كلاماً ناشئاً عن محض الحكمة: لا مرد لقضاء الله، ولا معقب لحكمه، بل يجري في ملكه ما ثبت في علمه. واعلموا أنكم { لَّوْ كُنتُمْ } متمكنين { فِي بُيُوتِكُمْ } غير خارجين منها للقتال { لَبَرَزَ } لظهر وخرج البتة { ٱلَّذِينَ كُتِبَ } قدر وفرض في الأزل { عَلَيْهِمُ ٱلْقَتْلُ } في هذه المعركة، مسرعين { إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ } ومقاتلهم في الوقت الذي قدر بلا تأخير ولا تقديم { وَ } إنما فعل بكم ما فعل { لِيَبْتَلِيَ } ويختببر ويمتحن { ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ } أهو من الرضا والإخلاص؟ أم من الشقاق والنفاق؟ { وَلِيُمَحِّصَ } يطهر ويصفي { مَا فِي قُلُوبِكُمْ } من الإيمان والتوحيد عن الكفر والنفاق { وَٱللَّهُ } المطلع لسرائركم وضمائركم { عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } [آل عمران: 154] أي: الأمور المكنونة فيها.