لذلك { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ } والصغار والهوان { أَيْنَ مَا ثُقِفُوۤاْ } وجدوا، صاروا مهانين، صاغرين { إِلاَّ } المعتصمين منهم { بِحَبْلٍ } موفق { مِّنَ } عند { ٱللَّهِ } وهو الانقياد لدين الإسلام { وَحَبْلٍ } عهد وثيق، وذمة { مِّنَ ٱلنَّاسِ وَ } بعدما { بَآءُوا } رجعوا عن تصديق دين الإسلام المنزل لخير الأنام، استحقوا { بِغَضَبٍ } نازل عظيم { مِّنَ ٱللَّهِ وَ } لا يمكنهم دفعه؛ إذ { ضُرِبَتْ } تمكنت وتقررت { عَلَيْهِمُ ٱلْمَسْكَنَةُ } المذمومة الناشئة من خباثة طينتهم، لا ترجى عزتهم أصلاً.
{ ذٰلِكَ } أي: ضرب الذلة والمسكنة، والصغار والهوان عليهم { بِأَنَّهُمْ كَانُواْ } في أوان عزتهم وعظمتهم { يَكْفُرُونَ } يكذبون ويستهزئون { بِآيَاتِ ٱللَّهِ } المنزلة من عنده { وَيَقْتُلُونَ ٱلأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ } بلا رخصة شرعية { ذٰلِكَ } الكفر والقتل الصادر منهم { بِمَا عَصَوْاْ } أي: بسبب عصيانهم وخروجهم عن إطاعة أمر الله، والانقياد لأحكامه عتواً وعناداً { وَّ } متى عصوا { كَانُواْ يَعْتَدُونَ } [آل عمران: 112] يتجاوزون عن حدود الله بالمرة، ويقتلون من يقيمها استكباراً.
{ لَيْسُواْ } أي: ليس جميع أهل الكتاب { سَوَآءً } مستوية الأقدام في الاعتدال والإنكار، بل { مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } أيضاً { أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ } مستقيمة على صراط العدل { يَتْلُونَ آيَاتِ ٱللَّهِ } الدالة على توحديه { آنَآءَ ٱللَّيْلِ } أي: جميع آنائه { وَهُمْ يَسْجُدُونَ } [آل عمران: 113] يصلون خاضعين، متذللين، واضعين جباههم على تراب المذلة؛ تعظيماً له، وخوفاً من خشيته، ورجاء من سعة رحمته.
وذلك لأنهم { يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } أي: بوحدانيته { وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } بصدقه وحقيته { وَ } مع ذلك { يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ } المبرات المؤدية إلى إسقاط الإضافات وقطع التعليقات المستلزمة لرفع التعيينات الحاجبة عن شهود الذات { وَأُوْلَـٰئِكَ } المتصفون منهم بهذه الصفات { مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } [آل عمران: 114] لسلوك طريق الحق، المستحقين للوصول إلى سواء التوحيد الذي هو السواد الأعظم، المشار إليه في الحديث النبوي، صلوات الله على قائله.
{ وَمَا يَفْعَلُواْ } هؤلاء الموصوفون منهم { مِنْ خَيْرٍ } طالبين فيه رضاء الله، راجين ثوابه حقاً خائفين من عقابه { فَلَنْ يُكْفَروهُ } أي: لن ينقصوا من أجره، بل يزادوا ويضاعفوا { وَٱللَّهُ } الهادي لجميع العباد { عَلِيمٌ بِٱلْمُتَّقِينَ } [آل عمران: 115] منهم، فيجازيهم على مقتضى علمه، وحسب لطفه وكرمه.
أدركنا بلطفك وكرمك يا أكرم الأكرمين.