الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ } * { وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ ٱللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِٱللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ } * { وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }

ثم لما وبخ سبحانه الكافرين القاصدين إضلال المؤمنين بما وبخ وبالغ توبيخهم بما بالغ، أراد أن يحذر المؤمنين عن مخالطتهم وموافاتهم، فناداهم؛ لأنه دخل في قبول النصح فقال: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } وفقوا على تشريف الإيمان، مقتضى إيمانكم الاجتناب عن مخالطة الكفار ومؤاخاتهم وادعاء المحبة والمودة معهم؛ لأنكم { إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } طائعين قاصدين إطاعتهم وانقيادهم { يَرُدُّوكُم } البتة { بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } وتوحيدكم { كَافِرِينَ } [آل عمران: 100] مشركين ما أنتم عليه في جاهليتكم.

" نزلت في فرقة من الأوس والخزرج كانوا يجتمعون ويتحدثون ويتناشدون، فمر على اجتماعهم شاس بن قيس اليهودي، فغاظه مؤاخاتهم ومخالطتهم، فأمر بشاب من اليهود أن يجلس إليهم، ويذكرهم يوم بعاث، وينشدهم بعض ما قيل فيه، وكان الظفر في ذلك اليوم للأوس ففعل، فتنازع القوم وتفاخروا إلى تغاضبوا وتخاصموا، وصاحوا: السلاح! واجتمع من الجانبين خلق عظيم.

وتوجه إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقال لهم: " أتدعون الجاهية، وأنا بين أظهركم بعد، إذ أكرمكم الله بالإسلام وشرفكم بالإيمان والتوحيد الرافع لجميع الخصومات " فعلموا أنها نزغة من الشيطان وكيد من عدوهم، فألقوا السلاح و استغفروا وتعانقوا وتحابوا، وانصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

{ وَ } لذلك قال لهم: { كَيْفَ تَكْفُرُونَ } يا أيها المؤمنون بالله الواحد الأحد الفرد الصمد { وَ } الحال أنكم { أَنْتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ ٱللَّهِ } الدالة على توحيده { وَ } مع ذلك { فِيكُمْ رَسُولُهُ } المرسل إليكم المولي لأموركم { وَمَن يَعْتَصِم } منكم { بِٱللَّهِ } ويتبع رسوله المنزل من عنده بتوحيده الذاتي { فَقَدْ هُدِيَ } واهتدى { إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [آل عمران: 101] يوصله إلى صفاء الوحدة.

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } معظم أموركم في محافظة الإيمان المؤدي إلى الكشف والعيان، التقوى والاجتناب عن محارم الله ومنهياته، والتحلي بأوامره ومرضياته { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } المطلع لجميع حالاتكم { حَقَّ تُقَاتِهِ } خالية عن الميل والرياء والبدع والأهواء المضيفة إلى الإلحاد والزندقة { وَ } اجتهدوا أيها المؤمنون أن { لاَ تَمُوتُنَّ } عن هويتكم { إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ } [آل عمران: 102] مخلصون في الاعتصام بحبل التوحيد والإيمان، مخلصون عن ربقة التقليد والحسبان.

{ وَ } بعد موتكم عن أنانيتكم { ٱعْتَصِمُواْ } أيها المخلصون الموقنون { بِحَبْلِ ٱللَّهِ } الممتد من أزل الذات إلى أبد الأسماء والصفات، وارفعوا أنانيتكم وهويتكم عن البين { جَمِيعاً } حتى لايبقى توهم الغير والسوى مطلقاً، وتخلص نفوسكم عن مشتهياتها ومستلذاتها الفانية، وتصل إلى الحياة الأزلية والبقاء السرمدي { وَلاَ تَفَرَّقُواْ } أي: لا تتفرقوا بمقتضيات أوهامكم المتفرعة على هوياتكم الباطلة عن الحقية الحقيقية { وَ } بعدما وصلتهم بمقام الجمعية والوحدة الذاتية { ٱذْكُرُواْ } أيها العكوس والأظلال { نِعْمَتَ ٱللَّهِ } المتجلي فيكم بذاته المتفضل { عَلَيْكُمْ } بلا عوض ولا غرض { إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً } بعداء متروكين في ظلمة العدم.

السابقالتالي
2