الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ } * { وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَآءَهُمْ مُّوسَىٰ بِٱلْبَيِّنَاتِ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا كَانُواْ سَابِقِينَ } * { فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }

{ وَ } اذكر يا أكمل الرسل { عَاداً } المبالغين في الظلم والعدوان { وَثَمُودَاْ } المتجاوزين عن مقتضى حدود الله بالبغي والطغيان { وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم } وظهر عندكم ولاح عليكم أيها الناظرون المعتبرون عتوهم واستكبارهم { مِّن مَّسَاكِنِهِمْ } الرفيعة وحصونهم الحصينة المنيعة { وَ } ذلك بأنهم قوم { زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ } وحسنها في نفوسهم فاستبدوا بها { فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ } أي: أعرضهم الشيطان بتزيين أعمالهم الفاسدة عن الصراط المستقيم والطريق المستبين { وَ } هم { كَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ } [العنكبوت: 38] متمكنين، قادرين على الاستبصار والاعتبار، فلم يعتبروا؛ إذ لم يُسلب عنهم لوازم عقولهم، بل لبَّس عليهم الشيطان أفعالهم وحسن عندهم أعمالهم، فظنوا أنهم مهتدون وما كانوا مهتدين.

{ وَ } اذكر يا أكمل الرسل { قَارُونَ } المباهي بالمال والنسب على أهل عصره وزمانه { وَفِرْعَوْنَ } المستعلي بالسلطنة والملك إلى أن تفوه من غاية عتوه واستكباره بدعوى الألوهية لنفسه { وَهَامَانَ } وزيره، قد تفوق على أقرانه وأهل زمانه بالثروة والجاه والنيابة الكاملة وعلو المكانة والمنزلة بين الأنام { وَ } من كمال تعنت هؤلاء المفسدين المسرفين واستعلائهم { لَقَدْ جَآءَهُمْ مُّوسَىٰ } بوحينا رسولاً منا؛ ليهديهم إلى طريق الحق وصراط مستقيم، فكذبوه ولم يبالوا به وبكلامه مع كونه مؤيداً { بِٱلْبَيِّنَاتِ } القاطعة والمعجزات الساطعة { فَٱسْتَكْبَرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } على الله وعلى رسله وعموم عباده وانصرفوا عن مطلق أوامره ونواهيه منكرين وجوده وإرساله ووحيه عناداً ومكابرة { وَ } مع ذلك { مَا كَانُواْ سَابِقِينَ } [العنكبوت: 39] بنا، حافظين نفوسهم عن إدراك عذابنا إياهم وانتقامنا منهم.

{ فَكُلاًّ } منهم { أَخَذْنَا بِذَنبِهِ } الذي صار علة لبطشه وانتقامه على مقتضى عدلنا، ثم فصل سبحانه أخذه إياهم بعدما أجمل، فقال: { فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً } أي: ريحاً عاصفاً فيها حصباء، رميناهم ورجمناهم بها كقوم لوط وعاد { وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ } الهائلة كثمود وأصحاب مدين { وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ } كقارون وما معه من زخارفه التي هي سبب طغيانه وبغيه { وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا } كقوم نوح وفرعون وهامان وجميع جنودهما { وَ } ما أخذنا كلاً منهم إلا بذنوب عظيمة صدرت عنهم على سبيل الإصرار والاغترار؛ إذ { مَا كَانَ ٱللَّهُ } المستوي على العدل القويم والطريق المستقيم وما صح عليه وحق له سبحانه { لِيَظْلِمَهُمْ } ويأخذهم بلا ذنب صدر عنهم { وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [العنكبوت: 40] أي: هم كانوا يظلمون أنفسهم باستجلاب عذاب الله عليها بارتكاب أسبابه وموجباته، وعرضها على غضب الله بالخروج عن مقتضى أوامره ومنهياته، وما ذلك إلا من رسوخ التقليدات التخمينات في نفوسهم، واستقرار الرسوم والعادات في جبلتهم؛ لذلك أصروا بما هم عليه وانصرفوا عن سواء السبيل وكذبا الرسل الهادين إليه، وأنكروا عليهم عتوّاً واستكباراً، فهلكوا خساراً وبواراً.