الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ الۤـمۤ } * { أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ أَن يَقُولُوۤاْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } * { وَلَقَدْ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْكَاذِبِينَ } * { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } * { مَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ ٱللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ لآتٍ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ }

{ الۤـمۤ } [العنكبوت: 1] أيها الإنسان الاكمل الأعلم، اللائق لفيضان لوامع أنوار الوجود ولوائح آثار الفضل والجود، المؤيد الملازم لاستكشاف مكنونات ما في مظاهر المكونات من المعظمات آثار الإلوهية، ومكرمات أنواع الربوبية اللامعة اللائحة على نواصي عموم ما ظهر وبطن غيباً وشهادة على التعاقب والتوالي بلا انقطاع وانصرام، أزلاً وأبداً، وبلا ذهول وغفلة، وفتور وفترة، بحيث لا يعزب عن حيطة حضرة علمه ذرة من ذرائر ما ظهر ولاح دون إشراق شمس وجهه الكريم.

{ أَحَسِبَ } وظن { ٱلنَّاسُ } المنهمكون في الغفلة والنيسان { أَن يُتْرَكُوۤاْ } ويُهملوا على ما هم عليه من عدم مطابقة قلوبهم لأفواههم، وأعمالهم بنياتهم، وأفعالهم بحالاتهم بمجرد { أَن يَقُولُوۤاْ آمَنَّا } بلا موافقة من قلوبهم، مع أن الإيمان في الأصل هو الإذعان والقبول والإخلاص بالقلب، والانقياد والتسليم بالجوارح والآلات من لوازمه ومتمماته { وَهُمْ } بمجرد ما يلقلق به لسانهم، ويظهره بيانهم طنوا أنهم { لاَ يُفْتَنُونَ } [العنكبوت: 2] ولا يمتحنون، بلى والله لنبولنهم ونختبرهم بشيءٍ من الخوف والجوع، ونقص من الأمال والأنفس والثمرات، حتى ظهر إخلاصهم في جيع ما آمنوا، فترتب خلاصهم حنيئذٍ على إخلاصهم.

{ وَ } ليس افتتاننا واختبارنا إياهم ببدع منا، بل { لَقَدْ فَتَنَّا } وامتحنا { ٱلَّذِينَ } مضوا { مِن قَبْلِهِمْ } من الأمم السالفة، مع أنهم يدعون الإيمان، ويتفوهون ويتقوهون به أمثالهم، ومع ذلك لم نتركهم بلا ابتلاء واختبار، وليس اختبارهم وامتحانهم إلا لإظهار حجتا البالغة عليهم، وإلاَّ { فَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ } المطلع على ضمائر عباده وسرائرهم { ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ } منهم، وأخلصوا في إيمانهم { وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْكَاذِبِينَ } [العنكبوت: 3] أيضاً منهم.

وهم الذين لا يخلصون مع الله في حالٍ من الأحوال، وعملٍ من الأعمال، ولا يسمعون أوامر الله ونواهيه من ألسنة رسله سمع قبولٍ ورضا، وإنما أرادوا بإيمانهم الظاهر الذي أتوا به على سبيل الكراهة إسقاط لوازم الكفر من حقن الدماء، وسلب الذراري ونهب الأموال، وإلا فهم ليسوا ممن يذعنون بدلائل التوحيد وبراهين الإيمان عن صميم قلوبهم، ظناً أنَّا غافلون عن بواطنهم ونياتهم.

{ أَمْ حَسِبَ } أي: بل ظن المسرفون { ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ } مصرين عليها، مبالغين في إتيانها { أَن يَسْبِقُونَا } ويفوتوا عنا جزاء ما عملوا، ويسقطوا عن حسابنا ما أتوا به من المعاصي، بل نحن مطلعون عليها حين كانوا في استعداداتهم قبل ظهورهم في فضاء الوجود، فكيف حين وجودهم وظهورهم، وصدور الآثام عنهم بالفعل؟! { سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } [العنكبوت: 4] علينا حكمهم وهذا ونسبتهم هذه - أعاذنا الله وعموم عباده عن أمثال هذه الظنون الفاسدة بالنسبة إليه سبحانه - كل ذلك عن جهلهم بالله ويمقتضى عزه وعلوه، وإنكارهم بلقائه والوقوف بين يديهز

إذ { مَن كَانَ يَرْجُواْ } ويأمل { لِقَآءَ ٱللَّهِ } المتجلي على الأكوان حسب أسمائه العلية وصفاته السنية، ويترصد أن ينكشف له ما هو الموعود من لدنه سبحانه من الدرجات العلية والمقامات السنية حال كونه متأدباً بالآداب المنزلة من عنده بواسطة أنبيائه ورسله، متحملاً على متاعب التكاليف ومشاق الطاعات المفروضة المشروعة له، مترقباً للانكشاف والشهود، راجياً لقياه بلا يأس وقنوط، فاز بمبتغاه على الوجه الذي وُعد بعدما وفقه الحق وجذبه إلى نفسه { فَإِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ } الذي وعده لعباده أن يشرفهم بشرف لقائه { لآتٍ } بلا شك وارتياب { وَ } كيف لا يشرفهم بعدما وعدهم؛ إذ { هُوَ ٱلسَّمِيعُ } لمناجاتهم { ٱلْعَلِيمُ } [العنكبوت: 5] بحاجاتهم التي هي الفوز بشرف اللقاء، والوقوف عند سدرة المنتهى، والتدلي إلى مقام دنا فتدلى

السابقالتالي
2