الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ ٱلطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ } * { فأَنْجَيْناهُ وأَصْحَابَ ٱلسَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَآ آيَةً لِّلْعَالَمِينَ } * { وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } * { إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَٱبْتَغُواْ عِندَ ٱللَّهِ ٱلرِّزْقَ وَٱعْبُدُوهُ وَٱشْكُرُواْ لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } * { وَإِن تُكَذِّبُواْ فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ }

ثم ذكر سبحانه نبذاً من أحوال أهل الضلال والإضلال من المفترين الذين مضوا في سالف الزمان تسليةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإزالة للحزن الذي لحقه صلى الله عليه وسلم من تمادي المشركين في الغفلة والفساد وتطاولهم في الغي والعناد، فقال: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ } وقت إذ ظهر فيهم أنواع الفسوق والجدال وأصناف الغي والضلال { فَلَبِثَ فِيهِمْ } وتحمل على مشاق دعوتهم وأنواع أذاهم { أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً } فهم كانوا يضربونه ويشتمونه ونسبونه إلى الجهل والجنون والخرف وأنواع الاستخفاف والاستحقار، ومع ذلك لم يتقاعد عن دعوتهم، ولم ينزجر عن زواجرهم، بل يبلغهم ما أمره الحق بتبليغه من الآيات الظاهرة والمعجزات الباهرة، وهم من شدة شكيمتهم وخبث طينتهم لم يزيدوا من سماعها إلا تعنتاً واستكباراً، وعتواً واغتراراً وإصراراً على ما هم عليه، وبعدما استحقوا كمال العذاب والنكال { فَأَخَذَهُمُ ٱلطُّوفَانُ } حين خرج الماء من التنور المعهود وطاف عليهم فأغرهم واستؤصلوا { وَهُمْ } في أنفسهم { ظَالِمُونَ } [العنكبوت: 14] خارجون عن مقتضى الحدود ومنهمكون في بحر الغفلة والغرور، ضالون في تيه الجهل والطغيان؛ لذلك أخذهم الله بالطوفان واستأصلهم بالمرة إلى حيث لم يبق منهم أحد على وجه الأرض بعدما إغرقناهم وأهلنكاهم.

{ فأَنْجَيْناهُ } أي: نيبنا نوحاً عليه السلام { وأَصْحَابَ ٱلسَّفِينَةِ } وهم المؤمنون الذين ركبوا معه عليها حين نبع الماء من التنور، قيل: كانوا ثمانين، وقيل: كانوا ثمانية وتسعين، وقيل: نصفهم ذكور ونصفهم إناث { وَجَعَلْنَاهَآ } أي: قصة هلاكهم بالطوفان { آيَةً } عظيمة { لِّلْعَالَمِينَ } [العنكبوت: 15] تستدلون بها على كمال قدرتنا ووفور حكمتنا في انتقام من خرج على حدودنا وأحكامنا وأوامرنا ونواهينا.

{ وَ } أرسلنا أيضاً يا أكمل الرسل جدك { إِبْرَاهِيمَ } الخليل - صلوت الرحمن عليه وسلامه - إلى قومه الذين تمادوا زماناً في الغفلة والغرور؛ ليصلح مفاسدهم ويرشدهم توحيدنا، اذكر { إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ } بعدما بعثناه إليهم ليهديهم إلى طريق الحق { ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } الواحد الأحد الصمد، المستحق للعبادة والأطاعة استحقاقاً ذاتياً ووصفياً { وَٱتَّقُوهُ } عن ارتكاب محارمه ومنهياته، واجتنبوا جميع ما لا يرضى به حتى لا تستجلبوا سخطه و غضبه عليكم { ذٰلِكُمْ } الذي أوصيكم به من العبادة والعرفان واجتناب عن المحارم والطغيان والاتصاف بالتوحيد والتقوى وجميع لوازم الإيمان { خَيْرٌ لَّكُمْ } وأولى بحاكم وأنفع لنفوسكم من أولاكم وأخراكم مما أنت عليه من عبادة التماثيل التي تنحتونها بأيديكم وتسمونها من تلقاء أنفسكم آلهة دون الله ظلماً وزوراً { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } [العنكبوت: 16] أي: إن كنتم من ذوي العقول المستكملين بالقوة النظرية المفاضة لكم من حضرة العلم الإلهي؛ ليميزكم به عن سائر الحيوانات ويعدكم للخلافة والنيابة عن الله.

ثم نبه سبحانه على خطئهم في عبادة غير الله فقال: { إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } المستحق للعبادة والاستقلال بلا شريك ومثال { أَوْثَاناً } تسمونهم آلهة ظلماً وعدواناً وتعبدونهم كعبادة الله عناداً وطغياناً { وَتَخْلُقُونَ } أي: تفترون وتنسبون إلى الله بإثبات الشريك له، سيما هذه التماثيل الباطلة العاطلة { إِفْكاً } كذباً وافتراءً، مجادلةً ومراءً، مع أن هؤلاء التماثيل لا تنفعكم ولا تضركم ولا ترزقكم ولا تمنع رزقكم، بل { إِنَّ } الآلهة { ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } الحقيق بالإطاعة والعبادة مطلقاً سواء كان هؤلاء الجمادات أو ذوي الحس والحركات { لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً } أي: أمر الرزق مقصور على الله المتكفل لأرزاق عباده، ليس في وصع غيره أن يرزق أحداً من عباده رزقاً صورياً أو معنوياً وإنما خص سبحانه الرزق بالذكر مع أنهم لا يملكون سواه أيضاً؛ لأنه أظهر لإلزامه وأتم لشدة احتياجهم إليه، وإن أردتم رزقاً جسمانياً أو روحانياً { فَٱبْتَغُواْ } واطلبوا { عِندَ ٱللَّهِ } القادر المقتدر { ٱلرِّزْقَ } الصوري المقوي لمزاجكم والمعنوي، الموصل إلى مبدئكم ومعادكم؛ لتتزودوا برزقه في أولاكم وأخراكم { وَ } إذا سمعتم وعلمتم ألاَّ رازق لكم سوى الله { ٱعْبُدُوهُ } حق عبادته، واعرفوه حق معرفته { وَٱشْكُرُواْ لَهُ } أداء لحق شيء من حقوق نعمه، ونبذ من موائد فضله وكرمه، واعلموا أنكم { إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [العنكبوت: 17] رجوع الظل إلى ذي الظل والأمواج إلى الماء.

السابقالتالي
2