الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ قُل رَّبِّيۤ أَعْلَمُ مَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ وَمَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { وَمَا كُنتَ تَرْجُوۤ أَن يُلْقَىٰ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ ظَهيراً لِّلْكَافِرِينَ } * { وَلاَ يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ ٱللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ وَٱدْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { وَلاَ تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ ٱلْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

ثمَّ لمَّا اغتم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين هاجر من مكة بسبب مكر المشركين، فلما وصل إلى جحفة اشتد اشتياقه إلى مولده وموطن آبائه، وتحزن حزناً شديداً إلى حيث أراد أن يعود منها إليها، فنزلت تسليةً عليه صلى الله عليه وسلم، وإزالةً لحزنه: { إِنَّ } القادر المقتدر { ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ } وقدر لك إنزاله، وأقدرك على الامتثال بجميع ما فيه من الأوامر والنواهي وكشف عليك ما فيه من الحقائق والمعارف، والرموز والإشارات المتعقلة بصفاء مشرب التوحيد، وذكر لك فيه القصص والعبر والأمثال إرشاداً لك إلى مقامك الذي وعدك الحق تفضلاً وامتناناً، وسماه من عنده مقاماً محموداً { لَرَآدُّكَ } ومعاودك { إِلَىٰ مَعَادٍ } معهود، هو مولدك وموظن آبائك وأسلافك على أحسن وجه وأكمله.

وبعدما عدت ورجعت إليه بعد هجرتك من بينهم أو أضلوك ونسبوك إلى ما لا يليق بشأنك { قُل } لهم على سبيل المجاراة: { رَّبِّيۤ } الذي وسع علمه كل شيء { أَعْلَمُ } بعلمه الحضوري { مَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ } منَّا أنا أو أنتم { وَمَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [القصص: 85] منَّا ومنكم.

{ وَ } عليك يا أكمل الرسل أن تفوض أمورك إلينا اتكالاً علينا، واعتصاماً لحولنا وقوتنا، ولا تلتفت إلى المشركين وإيمانهم ولا تداريهم، ولا تك في رعبٍ منهم، إنَّا كفيناك مؤنة شرورهم عنك.

إذ { مَا كُنتَ تَرْجُوۤ } وتأمل { أَن يُلْقَىٰ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابُ } الجامع لفوائد جميع الكتب المنزلة من عندنا، لكن ما أنزل إليك هذا { إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ } تفضلاً عليك، وتلطفاً معك بلا تطلب منك وترقب من قبلك، فكذلك يكفيك جميع مهماتك على الوجه الأصلح، فاتكل عليه واتخذه وكيلاً، وفوِّض أمروك كلها إليه، ومتى سمعت نبذاً من شأنك الذي أنت عليه في ابتداء حالك { فَلاَ تَكُونَنَّ ظَهيراً } أي: معاوناً ومعيناً { لِّلْكَافِرِينَ } [القصص: 86] ولا مستظهراً ومستعيناً بهم، بل فلك أن تمضي وتبلغ على الوجه الذي أُمرت بلا مبالاة لهم ومداراة معهم.

{ وَلاَ يَصُدُّنَّكَ } ويصرفنك مواساتهم ومداراتهم، والمسامحة معهم { عَنْ } تبليغ { آيَاتِ ٱللَّهِ } المشتملة على الإنذارات والوعيدات الشديدة إياهم { بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ } وأُمرت بتبليغها { وَٱدْعُ إِلَىٰ } توحيد { رَبِّكَ } بعدما بعثك إلى كافة البرايا، وعامة الأمم كله، مَنْ جبله الحق على صورة الإنسان، وكلفه بالمعرفة والإيمان { وَلاَ تَكُونَنَّ } بالمداهنة والمسامحة معهم { مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [القصص: 87] المشتركين في شركهم وكفرهم.

{ وَلاَ } بعدما ظهرت على التوحيد الذاتي، وأكملت مراسم الدين، وأتممت مكارم الأخلاق واليقين { تَدْعُ } بحالٍ من الأحوال { مَعَ ٱللَّهِ } الواحد الأحد الصمد، الفرد الوتر الذي لم يلد ولم يولد، ولم يتخذ صاحبة ولا ولداً { إِلَـٰهاً آخَرَ } شريكاً له في الوجود والألوهية والربوبية، وجميع التصرفات الواقعة في مظاهره ومماليكه؛ إذ { لاَ إِلَـٰهَ } في الوجود، ولا موجود في الشهود { إِلاَّ هُوَ } هذا هو هايت ما نطق العارف عنه سبحانه، وبعد ذلك يقلق ويدهش ويهيم، ويفنى ويتلاشى.

السابقالتالي
2