الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ وَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاَقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ } * { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } * { قَالَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَغْوَيْنَآ أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَآ إِلَيْكَ مَا كَانُوۤاْ إِيَّانَا يَعْبُدُونَ }

{ وَ } الحال أنهم { مَآ أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ } في هذه النشأة { فَمَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } الدنية التي هي على طرف التمام، مشرفة على التقضي والانصرام { وَزِينَتُهَا } الزائلة الذاهبة بلا قرار ولا دوام { وَمَا عِندَ ٱللَّهِ } من المعارف الحقائق، والمكاشفات والمشاهدات لأرباب المراتب العلية، والمناصب السنية من المنقطعين نحو الحق بعد انخلاعهم عن لوازم هوياتهم البشرية الفائضة عن التلذذ باللذات الروحانية { خَيْرٌ } لا يتخلل بينهي شيء، ولا يعرضه ضر { وَأَبْقَىٰ } إذ لا يلحقه انصرام ولا انقضاء، ولا زوال ولا فناء { أَ } تستبدلون أيها الحمقى الأدنى الفاني بالأعلى الباقي، وتختارون اللذة الجسمانية على اللذات الروحانية { فَلاَ تَعْقِلُونَ } [القصص: 60] ولا تستعملون عقولكم الموهوبة بمقتضاها؛ ليتميز عندكم ما هو الأليق بحالكم، والأولى بمآلكم؟!.

{ أَ } تسوون الأجل الباقي بالعاجل الزائد الفاني، مع أن الكل من عندنا وتحت قدرتنا { فَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً } أي: موعداً ذا حسن وكرامة، وبهجة وبهاء { فَهُوَ لاَقِيهِ } أي: مدركة وموصلة إليه؛ إذ لا خلف لوعدنا، أتظنون وتعتقدون أيها الجاهلون أن منزلة هذا السعيد الموفق على السعادة من عندنا { كَمَن مَّتَّعْنَاهُ } في هذه النشأة { مَتَاعَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } مكدرة بأنواع الكدورات، مشوبة بالآلام والحسرات، منغمسة بالخبائث والقاذورات { ثُمَّ هُوَ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } بعد انقراض النشأة الأولى { مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ } [القصص: 61] للحساب والجزاء على ما تمتعوا في النشأة الأولى؟!.

ثمَّ قال سبحانه: { وَ } اذكر يا أكمل الرسل لمن أشرك بالله، وأثبت له شريكاً في الوجود سواه { يَوْمَ يُنَادِيهِمْ } الله المتعزز برداء العظمة والكبرياء حين ظهر على مظاهره باسم القهار، المفني لأظلال السوى والأغيار مطلقاً { فَيَقُولُ } على مقتضى غيرته وجلاله مخاطباً لمن أشرك به شيئاً من عكوسه وأظلاله، مع أن الكل حنيئذٍ مطموس مقهور تحت حوله وقدرته: { أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } [القصص: 62] أيها المشركون شركائي، وتعبدونهم كعبادتي عدواناً وظلماً؟! ثمَّ أظهرهم الحق وأوجدهم؛ أي: التابعين والمتبوعين جميعاً بعدما قهرهم وعذبهم جميعاً؛ إظهاراً للقدرة الكاملة، وإلزاماً للحجة البالغة.

وبعدما أظهرهم وسأل عنهم { قَالَ ٱلَّذِينَ حَقَّ } أي: ثبت وتوجه { عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ } أي: السؤال من الله، وهم الشياطين المعبودون مناجين نحو الحق، متضرعين قائلين: { رَبَّنَا } يا من ربانا على فطرة التوحيد، كيف صدر منَّا أمثال هذه الجرأة؟! بل { هَـٰؤُلاۤءِ } الغواة الهالكون في تيه الغي والضلال هم { ٱلَّذِينَ أَغْوَيْنَآ } عن منهج الاستقامة والسداد بأنواع التذلل والانقياد، والإطاعة والعبادة إيانا على مقتضى أهويتهم الفاسدة، وآرائهم الباطلة، مع أنَّا لا نستحق بها على توهم منهم إنَّا قادرون على إنجاح ما في نفوسهم من الأماني والشهوات.

ونحن أيضاً { أَغْوَيْنَاهُمْ } بأنواع التغرير والتضليل { كَمَا غَوَيْنَا } هؤلاء إيانا بعبادتهم وطاعتهم نحونا، فتعارض إغواؤنا بإغوائهم، وحين ظهر الحق تساطقا، فالآن { تَبَرَّأْنَآ } عنهم وعن عبادتهم، والتجأنا { إِلَيْكَ } تائبين آيبين، مع أنهم { مَا كَانُوۤاْ إِيَّانَا يَعْبُدُونَ } [القصص: 63] حين ادعوا عبادتنا، بل إنما عبدوا أهوية نفوسهم، وأماني قلوبهم، وتوسلوا بنا فيها، والعابدون أيضاً يتبرؤون عن معبوداتهم بأشد من ذلك.