الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ وَقَالُوۤاْ إِن نَّتَّبِعِ ٱلْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقاً مِّن لَّدُنَّا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ ٱلْوَارِثِينَ } * { وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِيۤ أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي ٱلْقُرَىٰ إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ }

ومن الأعراب قوم جاؤوا إلى رسول الله صلى الله وعليه وسلم { وَقَالُوۤاْ }: إنَّا قد علمنا يقيناً أنك على الحق والهداية والرشاد، لكن { إِن نَّتَّبِعِ ٱلْهُدَىٰ مَعَكَ } ونؤمن بك ونعمل بدينك، وابتعناك بجميع ما جئت به من عند ربك على الوجه الذي اعتقدناك { نُتَخَطَّفْ } ونُخرج { مِنْ أَرْضِنَآ } التي كنا مستقرين عليها بمخالفتنا العرب؛ إذ نحن أكلة رأس متفقين، ومتى خالفناهم في أمر لم يرضوا عليه أخرجونا من بينهم صاغرين مهانين، فرد الله عليه سبحانه عذرهم هذا بقوله:

{ أَ } يخالفون أولئك الخائفون { وَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ } من ما مضى، ولم نجعل مكانهم الذي يستقرون فيه { حَرَماً } ذا حرمة عظيمة { آمِناً } ذا أمن من جميع المكروهات، جالباً لأنواع الخيرات والبركات؛ إذ { يُجْبَىٰ إِلَيْهِ } ويجمع فيه، ويحمل نحوه { ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ } أي: نفائسه من كل أمد بعيد، وفج عميق؛ ليكون { رِّزْقاً } لهم سابقاً { مِّن لَّدُنَّا } إياهم؟! { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ } المجبولين على الجهل والنسيان { لاَ يَعْلَمُونَ } [القصص: 57] كمال لطفنا معهم، ووفور نعمتنا ورحمتنا إياهم.

{ وَ } قل لهم يا أكمل الرسل نيابةً عنَّا: لا تغرنَّكم الحياة الدنيا، وإمهالنا إياكم فيها مترفهين متنعمين؛ إذ { كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ } أي: كثيراً أهكلنا أهل قرية قد { بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا } أي: كان أهلها بطرين بسعة عيشها، ووفور معيشتها أمثالكم فدرا عليهم الدول، فأخذناهم بأنواع النقم بدل نعمهم، فأهلكناهم واستأصلناهم صاغرين؟! { فَتِلْكَ } الأطلال الخربة، والآثار الكربة التي تجاه وجوهكم { مَسَاكِنُهُمْ } وأوطانهم التي يتمكنون فيها مترفهين بطرين، انظر كيف اندرست وتفتت إلى حيث { لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ } في بلادهم وأماكنهم.

{ إِلاَّ قَلِيلاً } من أهل السفر والعبور ينزلون فيه، ويرحلون بلا إقامة فيها ووارثةٍ لها، وهكذا الدنيا وحياتها، والاستقرار عليها والتمتع بمتاعها عند العارف المتحقق بحقيقتها { وَ } بعدما أهلكناهم، وخربنا بلادهم { كُنَّا نَحْنُ ٱلْوَارِثِينَ } [القصص: 58] منهم، حيث لا نمكن فيها خلفاً من أبناء من شؤم آثارهم ومعاصيهم التي كانوا عليها مصرين غير ممتنعين، وإن أرسلنا عليهم الرسل، وأنزلنا عليهم الكتب.

{ وَمَا كَانَ رَبُّكَ } يا أكمل الرسل { مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ } وما ينبغي ويليق بشأن العليم الحكيم أخذهم بغتةً بلا منبه منذر، بل ما أخذهم على ظلمهم { حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِيۤ أُمِّهَا } أي: البلدة التي هي أم القرى الهالكة؛ إذ أهلها قبل المرشد والهداية من أصحاب القرى والنواحي، وهم تابعون لهم في معظم أمورهم { رَسُولاً } مؤيَّداً من عندنا، مرسلاً إليهم { يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا } الدالة على عظيم ذاتنا، وكمال قدرتنا على الإنعام والانتقام، ويدعوهم إلى توحيدنا والتدين بالدين الموضوع من عندنا، فتلا عليهم آياتنا فدعاهم إلى توحيدنا وديننا، فلم يقبلوا قوله ولم يستجيبوا له، بل كذبوه وجميع ما جاء به من الرشد والهداية مصرين على ما هم عليه من الغواية، فاستحقوا الهلاك والعذاب فأهلكناهم.

{ وَ } بالجلمة: { مَا كُنَّا مُهْلِكِي ٱلْقُرَىٰ إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ } [القصص: 59] يعني: ما كنا مبادرين على إهلاك القرى الهالكة بلا سبق أسباب صدرت عنهم، واستوجبت هلاكهم، بل إنما أخذناهم بعدما ظلموا أنفسهم بالخروج عن مقتضى حدودنا الموضوعة فيها ظلماً وعدواناً، وصاروا مصرين مباهين بما آتيناهم من زخرفة الدنيا المستعارة الفانية التي ألهاهم عن اللذائذ الأخروية الباقية فيهم.