الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لأَهْلِهِ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً سَآتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } * { فَلَمَّا جَآءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي ٱلنَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { يٰمُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ وَلَّىٰ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يٰمُوسَىٰ لاَ تَخَفْ إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ ٱلْمُرْسَلُونَ } * { إِلاَّ مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوۤءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } * { فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } * { وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ }

ثمَّ أخذ سبحانه بتعداد أرباب الطبقات والكرامة حثاً لحبيبه صلى الله عليه وسلم بالتوجه نحوه والتحنن إليه، والمواظبة على شكر نعمه، فبدأ بموسى - صلوات الرحمن عليه وسلامه - فقال مخاطباً لحبيبه صلى الله عليه وسلم: اذكر يا أكمل الرسل وقت { إِذْ قَالَ } أخوك { مُوسَىٰ } الكليم - صلوات الرحمن عليه - { لأَهْلِهِ } وزوجته ابنة شعيب عليه السلام حين سار معها من مدين إلى مصر، وهي حاملة، والليلة شاتية مظلمة، وهم ضالون عن الطريق فجاءها الطلق، واضطر موسى في أمرها، فرأى شعلة نار من بعيد، فقال لأهله: اثبتوا مكانكم.

{ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً سَآتِيكُمْ } ذا الساعة { مِّنْهَا بِخَبَرٍ } من الطريق، يخبر به من عندها؛ إذ النار قلما تخلو عن موقدين لها { أَوْ آتِيكُمْ } إن لم أجد عندها أحداً { بِشِهَابٍ } أي: جمر ذي { قَبَسٍ } أي: مقبوسة مشتعلة منها { لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } [النمل: 7] وتستدفئون من البرد، وتستضيئون منها للطريق.

فاستقروا في مكانهم، فذهب موسى { فَلَمَّا جَآءَهَا } أي: النار، ووصل عندها { نُودِيَ } من وراء سرادقات العز والجلال تكريماً لموسى، وتعظيماً له، وتنبيهاً عليه من أن مرجع جميع مقاصدك وحوائجك هو الحق، فاطلبه حتى تجد عنده جميع مقاصدك { أَن بُورِكَ } أي: الشأن، إنه أكثر عليك خيرك وبركاتك يا موسى { مَن فِي ٱلنَّارِ وَمَنْ } ظهر { حَوْلَهَا } إذ هو محيط بجميع الأماكن، ظاهر منها، غير متمكن فيها؛ أي: من ظهر فيها ولاح عليها.

{ وَ } بعدما تحققت بشهود الحق مع جميع الأماكن والأشياء، نزهه عن الحلول فيها والإتحاد بها، فقل: { سُبْحَانَ ٱللَّهِ } المنزه عن الأماكن كلها، المتجلي في جميعها؛ لكونه { رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [النمل: 8] يربيها بدوام التجلي، وامتداد الأظلال والعكوس الفائضة منه سبحانه عليها.

ثمَّ لمَّا قلق موسى واستوحش عن هذا النداء، وقرب إلى أن صار مغشياً عليه من شدة هوله ودهشته، وكمال ولهه وحيرته، نودي ثانياً باسمه استئناساً له، وإزالةً لاستيحاشه: { يٰمُوسَىٰ إِنَّهُ } أي: إن من ناداك في النار، وظهر على صورتها { أَنَا ٱللَّهُ } المحيط بجميع المظاهر والأكوان إحاطةَ البحر للأمواج والأزباد، والشمس للأضواء والأظلال { ٱلْعَزِيزُ } الغاللب القادر، المقتدر لقهر السّوى والأغيار { ٱلْحَكِيمُ } [النمل: 9] المتقن في الأفعال والآثار الصادرة الظاهرة مني على أبدع ارتباط وأبلغ انتظام.

{ وَ } بعدما أزال وحشته، وأذهب ولهه ودهشته بالمؤانسة والمواساة، قال له آمراً: { أَلْقِ عَصَاكَ } التي أخذتها بيدك على الأرض؛ لترى من عجائب صنعتنا وغرائب حكمتنا ما ترى؛ حتى تتنبه من تبدل صورتها وسيرتها إلى سر سريان وحدتنا الذاتية في المظاهر كلها، فألقاها على الفور فإذا هي حي تسعى { فَلَمَّا رَآهَا } موسى؛ أي: العصا { تَهْتَزُّ } وتتحرك { كَأَنَّهَا جَآنٌّ } أي: حية صغيرة سريعة السير { وَلَّىٰ } وانصرف منها موسى { مُدْبِراً } خائفاً هائباً، قلقاً حائراً من أمرها.

السابقالتالي
2