{ وَ } من مقتضيات حكمتنا المتقنة أرسلنا { لُوطاً } إلى قوم خرجوا عن مقتضى حدودنا تاركين حدود حكمة التناسل والتوالد وإبقاء النوع، مبدلين لها إلى ما هو مذموم عقلاً وشرعاً، وعرفاً وعادة، ومروءة وطبعاً، اذكر يا أكمل الرسل { إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ } مستفهماً منهم على سبيل الإنكار والتوبيخ: { أَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ } والفعلة القبيحة الشنيعة { وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } [النمل: 54] وتشاهدون قبحها وشنعتها وقت ما فعلتم وآتيتم. { أَإِنَّكُمْ } أيها المسرفون المتسعبدون للشهوة { لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ } الذين هم مثلكم في الرجولية { شَهْوَةً مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِ } مع أن الحكمة الإلهية تقتضي إيتاءهن للتناسل وبقاء النوع كسائر أنواع الحيوان، وهؤلاء مع جهلهم لا يخرجون عن مقتضى الحكمة، وأنتم أيها الحمقى مع أنكم مجبولون على العقل الفطري المميِّز بين الذمائم من الأخلاق والأطوار وحميدتها، تخرجون من مقتضاها { بَلْ أَنتُمْ } بفعلتكم هذه { قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } [النمل: 55] منسلخون عن مقتضى العقل الإدراك المميِّز للإنسان عن سائر الحيوان، بل أسوأ حالاً من الحيوانات العجم؛ إذ لا يتأتى منها أمثال هذا إلا من الحمار الأرذل الأنزل، انظروا ما هو شريككم في فعلتكم هذا أيها الحمقى المسرفون المفرطون. { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ } بعدما سمعوا منه أنواع الشتنيعات والتقريعات { إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ } من فرط انهماكهم في الغي والضلال، ونهاية عمههم وسكرتهم في رق شهواتهم ولذاتهم البهيمية متشاورين بينهم، متقاولين: { أَخْرِجُوۤاْ آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } [النمل: 56] عن أفعالنا ويتنزهون، ولا مناسبة بيننا وبينهم، فلهم أن يخرجوا من بيننا؛ حتى لا يتلوثوا بأفعالنا ويتنزهون، ولا مناسبة بيننا وبينهم، فلهم أن يخرجوا من بيننا؛ حتى لا يتلوثوا بأفعالنا، إنما قالوا هكذا تهكماً واستهزاءً. ثمَّ لمَّا استحقوا نزول العذاب والإهلاك، وحان حلول البوار عليهم { فَأَنجَيْنَاهُ } أي: أخرجنا لوطاً من بينهم { وَ } أمرناه أن يخرج { أَهْلَهُ } أيضاً عنايةً منَّا إياهم { إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ } المائلة عليهم، والراضية بفعلهم؛ لأنها منهم، لذلك { قَدَّرْنَاهَا } في سابق قضائنا { مِنَ ٱلْغَابِرِينَ } [النمل: 57] الهالكين. { وَ } بعدما أخرجنا لوطاً وأهله من بينهم { أَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً } أي: مطر، وهو مطر الحجارة المهلكة { فَسَآءَ مَطَرُ ٱلْمُنذَرِينَ } [النمل: 58] مطرهم الذي أمطروا به، بحيث لم يبقَ منهم ومن مساكنهم ومواشيهم شيء أصلاً. وبعدما قصَّ سبحانه لحبيبه صلى الله عليه وسلم قصص بعد أرباب الطبقات من الأنبياء والرسل المختصين بأنواع الفضائل والكرامات الموهبة من عنده سبحانه إياهم تفضلاً عليهم وامتناناً، أمره سبحانه بأن بادِر إلى تجديد الشكر والثناء عليه سبحانه بما أولاهم من النعم العظام، وأعطاهم من الفواضل الجسام إيفاءً لحقوق المؤاخاة، والاتحاد الحقيقي الواقع بين الأنبياء والرسل الكرام بعد رفع الإضافات وخلع التعينات. وقال سبحانه: { قُلِ } يا أكمل الرسل بعدما تلونا عليك بعض فضائل إخوانك تحميداً علينا من قبلهم، وتسليماً منَّا إياهم: { ٱلْحَمْدُ } والثناء الكامل اللائق { لِلَّهِ } الواحد الأحد، الحقيق بجميع المحامد والأثنية الصادرة عن ألسنة عموم من رش عليهم رشحات بحر وجوده، وامتد عليهم أضلال أسمائه وصفاته بمقتضى وجوده { وَسَلاَمٌ } من سبحانه ورحمة نازلة على التواتر والتوالي { عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَىٰ } واختارهم من بين البرايا التائهين في بيداء الغفلة والضلال، وتكميل الناقصين المنحطين عن رتبة الخلافة والنيابة بميلهم إلى قاذورات الدنيا العائقة عن الوصول إلى در الخلافة التي هي التوحيد المسقط لتوهم الإضافات مطلقاً.