الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } * { ٱذْهَب بِّكِتَابِي هَـٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَٱنْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ } * { قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ إِنِّيۤ أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ } * { إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } * { أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } * { قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِي فِيۤ أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ } * { قَالُواْ نَحْنُ أُوْلُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَٱلأَمْرُ إِلَيْكِ فَٱنظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ } * { قَالَتْ إِنَّ ٱلْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوۤاْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً وَكَذٰلِكَ يَفْعَلُونَ } * { وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ ٱلْمُرْسَلُونَ }

وبعدما سمع سليمان عليه السلام منه ما سمع { قَالَ } ممهلاً عليه: { سَنَنظُرُ } ونصبر إلى يظهر { أَصَدَقْتَ } فيما أخبرت به { أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } [النمل: 27] المزورين زورت هذا؛ لتخلص من العذاب؟.

ثمَّ أراد سليمان - صلوات الرحمن عليه وسلامه - أن يرسل رسولاً إلى بلفيس فكتب كتاباً هكذا: " بسم الله الرحمن الرحيم، السلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فلا تعلوا علي وأتوني مسلمين " ثمَّ طبعه بالمسك وختمه بخاتمه، ثمَّ قال للهدهد: { ٱذْهَب بِّكِتَابِي هَـٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ } بحيث لم يتفطنوا بك وبأمرك { ثُمَّ تَوَلَّ } وانصرف { عَنْهُمْ } وكن متوارياً في قربهم { فَٱنْظُرْ } وتأمل { مَاذَا يَرْجِعُونَ } [النمل: 28] أي: ماذا يرجع ويرد بعضهم بعضاً من الكلام في المشاورة والمكالمة؟ فأخذ الهدهد الكتاب، وأتى بلقيس وهي نائمة في قصرها، فألقاه على نحرها، فلما استيقظت رأت الخاتم في نحرها، فرعدت وخضعت خوفاً، ثمَّ جلست مع أشراف قومها وتشاورت معهم في أمر الكتاب.

حيث { قَالَتْ } منادية مستفتية منهم: { يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ إِنِّيۤ أُلْقِيَ إِلَيَّ } اليوم { كِتَابٌ كَرِيمٌ } [النمل: 29] وصفته بالكرامة؛ لأنها نائمة في قصرها والأبواب مغلقة عليها، فرأت في صدرها هذا بلا إحضار محضر، كأنهم قالوا: ممن؟ وما مضمونه؟.

قالت: { إِنَّهُ } أي: الكتاب مرسل { مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ } أي: مضمونه: { بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } [النمل: 30].

{ أَلاَّ تَعْلُواْ } أي: عليكم ألا تترفعوا ولا تتكبروا { عَلَيَّ } ولا تبالوا ببسطكم وشوكتكم { وَ } لا يليق بشأنكم الإتيان على وجه الخضوع بلا كبر وخيلاء، وإذا انحضر أمركم على الإتيان { أْتُونِي مُسْلِمِينَ } [النمل: 31] منقادين لأمر الله، مطيعين لحكمه وحكم رسوله بلا ممانعة وإباء.

ثمَّ لمَّا قرأت مضمون الكتاب عليهم، وشرحت لهم فحواه { قَالَتْ } خائفة مضطربة، منادية لهم ثانياً تأكيداً للتأمل والتدبر في هذا الأمر الهائل: { يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِي } أي: أجيبوا عليَّ وأشيروا إليَّ { فِيۤ أَمْرِي } هذا، واختاروا ما هو الأحوط، واستفتوا طريقاً ورأياً، أختار ذلك قطعاً، وآمر بها حكماً؛ إذ { مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً } أمضي عليه وأجزم به { حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ } [النمل: 32] له وتستصوبونه، بل الأمر مفوض إليكم، فاستصوبوا ما أقر رأيكم عليه؛ حتى أمضي على مقتضاه.

وبعدما فوضت أمرها إليهم استعطافاً واستظهاراً { قَالُواْ } مستعلين مستكبرين على مقتضى أصحاب القدرة والقوة، وأرباب الجاه والثورة: { نَحْنُ } قوم { أُوْلُو قُوَّةٍ } وقدرةٍ تامةٍ عَدداً وعُدداً { وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ } قد انتشر صيتنا في الآفاق بالشدة والشجاعة وأنواع الجراءة والاستيلاء، والصولة على الأعداء، فنحن هكذا ولا خوف لنا منهم { وَٱلأَمْرُ } بعد ذلك { إِلَيْكِ } ونحن عبيدك { فَٱنظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ } [النمل: 33] من القتال والصلح، نعمل على وفق ما أمرتنا به.

{ قَالَتْ } في جوابهم بعدما تأملت، وتعمقت في أمرها ورأيها: نعم، إن لنا كثرة وشجاعة منتشرة في أقطار الأرض بأسها وهيبتها، إلاَّ أن الحرب خداع، والقتال سجال لا تدرى عاقبتهما، ولا اعتماد على الكثرة والجراءة بعدما نفذ القضاء على الهزيمة، ومن المقدمات المسلمة { إِنَّ ٱلْمُلُوكَ } وأرباب القدرة الاستيلاء { إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً } عنوةً وقهراً { أَفْسَدُوهَا } بأن غيروا لها أوضاعها { وَجَعَلُوۤاْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً } بالغلبة والاستيلاء { وَكَذٰلِكَ يَفْعَلُونَ } [النمل: 34] هؤلاء لو دخلوا على بلادنا هذه.

السابقالتالي
2