الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ طسۤ تِلْكَ آيَاتُ ٱلْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ } * { هُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ } * { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُم بِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَهُمْ سُوۤءُ ٱلْعَذَابِ وَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلأَخْسَرُونَ } * { وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ }

{ طسۤ } يا طالب السيادة السرمدية، والسعادة السنية الألية الأبدية { تِلْكَ } الآيات المتلوة عليك تعظيماً لشأنك، وتتميماً لبرهانك { آيَاتُ ٱلْقُرْآنِ } أي: بعض آيات القرآن المبين، والمبيِّن لدلائل التوحيد وبينات الفرقان، والفارق بين الباطل والحق من الأحكام { وَكِتَابٍ مُّبِينٍ } [النمل: 1] من منتخب لوح القضاء، وحضرة العلم الإلهي المحيط بجميع ما لمع عليه برق وتجلياته الحبيبة.

إنما أُنزلت إليك يا أكمل الرسل من عنده سبحانه؛ لتكون { هُدًى } هادياً لك إلى مقام تمكنك من التوحيد الذاتي { وَ } لتكون { بُشْرَىٰ } بأنواع السعادات، ونيل أصناف الخيرات والبركات، ورفع الدرجات وأنواع المثوبات { لِلْمُؤْمِنِينَ } [النمل: 2] التابعين لك في شأنك ودينك إن اطمأنت قلوبهم بالإيمان؛ أي: اليقين العلمي المستجلب لليقين العيني والحقي.

والمطمئنون هم { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ } المكتوبة المفروضة لهم من قِبَل الحق في الأوقات المخصوصة، ويؤدونها على الوجه الذي وصل إليه من صاحب الشرع الشريف بلا تخفيف ولا تسريف؛ ليتقربوا بها نحو الحق، وزاد يقينهم وتصديقهم بسببها { وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ } المصفية لقلوبهم عن الميل إلى ما سوى الحق من الزخرفة الفانية؛ ليتمرنوا بسببها على إسقاط الإضافات العائقة عن الوصول إلى وحدة الذات.

{ وَ } بالجملة: { هُم } في جميع شئونهم وحالاتهم { بِٱلآخِرَةِ } المعدَّة لجزاء الأعمال وتنقيد الأفعال { هُمْ يُوقِنُونَ } [النمل: 3] علماً وعيناً؛ لأن أرباب الخبرة والبصائر المنكشفين بتعاقب النشأتين يرون في النشأة الأولى ما سيلحقهم في الأخرى؛ لذلك يترددون في الأولى للأخرى، ويزرعون فيها ما يحصدون فيها.

ثمَّ قال سبحانه على مقتضى سنته المستمرة في كتابه: { إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } ولا يصدقون { بِٱلآخِرَةِ } عناداً ومكابرةً { زَيَّنَّا } وحسناً { لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ } القبيحة الفاسدة الدنيوية، وأمهلنا لهم علينا زماناً؛ ليستحقوا أشد العذاب وأسوا العقاب { فَهُمْ } بواسطة إمهالنا إياهم في سكرتهم وغفلتهم { يَعْمَهُونَ } [النمل: 4] يترددون ويتحيرون بطرين بما لهم من الترفة والتنعم.

{ أُوْلَـٰئِكَ } الأشقياء البعداء عن عز الحضور، هم { ٱلَّذِينَ لَهُمْ سُوۤءُ ٱلْعَذَابِ } في النشأة الأولى { وَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلأَخْسَرُونَ } [النمل: 5] المقصورون على الخسران والخذلان، لا يُرجى لهم نيل مثوبة ورفع درجة، وتخفيف عذاب وقبول شفاعة، ولا خسران أعظم من ذلك؛ لذلك أصاب يوم بدر ما أصاب، وسيصيب لهم في الآخرة بأضعافه وآلافه.

ثمَّ قال سبحانه مخاطباً لحبيبه تفضلاً عليه، وأمتناناً له في إنزال القرآن إليه ووحيه عليه: { وَإِنَّكَ } يا أكمل الرسل؛ لنجابة طينتك وطهارة فطرتك { لَتُلَقَّى ٱلْقُرْآنَ } ويؤتى بك، وينزل إليك { مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ } مبالغ في الإحكام والإتقان { عَلِيمٍ } [النمل: 6] باسعدادات الأنام، وقابليتهم التي بها تتفاوت طبقاتهم فضلاً وكرامةً.