فصبر إلى أن قرب العدو، ووصل موسى على شاطئ البحر مضطراً مضرباً { فَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ } بأن قلنا له: { أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ } فضربه على الفور { فَٱنفَلَقَ } البحر، وافترق فرقاً وقُطع قطعاً كثيرة { فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ } بعد انفلاقه وانقطاعه { كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ } [الشعراء: 63] أي: كالجبل الراسي المرتفع نحو السماء، الثابت في مقره بلا حركة وذهاب، وانفرج بين الفلق فرجاً وسيعة فدخل على الفور موسى وقومه في الشعوب والفرج، كل سبط بشعب. { وَ } بعدما دخلوا في شعاب البحر المنغلق { أَزْلَفْنَا } وقربنا { ثَمَّ ٱلآخَرِينَ } [الشعراء: 64] أي: فرعون وقومه، وهم أيضاً وصلوا على شاطئ البحر فرأوهم في شعابه على العبور، فاقتحموا أثرهم مطمعين النجاة مثلهم. { وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ } [الشعراء: 65] بأن حفظنا البحر على انغلاقه إلى أن عبروا سالمين من تلك الفررج. { ثُمَّ أَغْرَقْنَا ٱلآخَرِينَ } [الشعراء: 66] أي: فرعون وقومه جميعاً بعدما دخلوا في تلك الفرج بإطباق البحر، وإفناء انفلاقه وافتراقه، واتصاله على الوجه الذي كان عليه. { إِنَّ فِي ذَلِكَ } الإنجاء والإغراق { لآيَةً } دالة على كمال قدرة الله، ومتانة حكمته بالنسبة إلى ذوي البصائر والاعتبار، المشمرين ذيل الغناية والاهتمام نحو التفكر والتدبر في آثار أوصاف الفاعل المختار { وَ } لكن { مَا كَانَ أَكْثَرُهُم } أي: ما أكثر الناس المجبولين على فطرة الاستدلال والاعتبار { مُّؤْمِنِينَ } [الشعراء: 67] بالله وتوحيده وأسمائه حتى يتأملوا في آثار صفاته؛ ليستدلوا على ذاته. { وَإِنَّ رَبَّكَ } يا أكمل الرسل { لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } الغالب على أمره، القادر المتقدر على إجراء أحكامه وإنفاذ قضائه { ٱلرَّحِيمُ } [الشعراء: 68] لخُلَّص عباده الموفَّقين من عنده للوصول إلى مبدئهم ومعادهم. { وَٱتْلُ } يا أكمل الرسل { عَلَيْهِمْ } أي: على مكذبي قريش ومعانديهم { نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ } [الشعراء: 69] أي: قصة جدك الخليل - صلوات الرحمن عليه - مع قومه. وقت { إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ } سائلاص لهم عن حقيقة ما يعبدون من الآلهة؛ ليريهم أن الأصنام لا تستحق العبادة والانقياد: { مَا تَعْبُدُونَ } [الشعراء: 70] ولأي شيء تنقادون وتطيعون؟!. { قَالُواْ نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ } [الشعراء: 71] أي: يدوم عكوفنا إياها وإطاعتنا لها. { قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ } ويجيبون دعوتكم { إِذْ تَدْعُونَ } [الشعراء: 72] إليها في السراء والضرء؟! { أَوْ يَنفَعُونَكُمْ } ويثيبونكم؛ جزاءً لطاعتكم وعبادتكم { أَوْ يَضُرُّونَ } [الشعراء: 73] لكم إن أعرضتم وانصرفتم عن عبادتهم؟!. { قَالُواْ } مستغربين عن مسئولاته؛ يعني: نحن لا نرجو منهم أمثال هذه الصفات؛ إذ هم جمادات لا تتأتى منهم أفعال ذوي الحياة والشعور { بَلْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا } وأسلافنا { كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ } [الشعراء: 74] اي: يعبدون لها، ويعكفون عليها خاشعين متذللين ونحن على أثرهم نعبدهم ونتذلل لهم؛ تقليداً لآبائنا.