ثمَّ قال سبجانه: { كَذَّبَ أَصْحَابُ لْئَيْكَةِ ٱلْمُرْسَلِينَ } [الشعراء: 176]. { إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ } حين رأى منهم أمارات الميل والانحراف عن القسطاس المستقيم، الموضوع من عند العزيز العليم، المبنئ عن الاعتدال المعنوي: { أَلاَ تَتَّقُونَ } [الشعراء: 177] وتحذرون عن بطش الله إياها، المتجاوزون عن حدوده. { إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ } من عنده { أَمِينٌ } [الشعراء: 178] موصل لكم أمانته. { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } ولا تنقصوا المكيال والميزان { وَأَطِيعُونِ } [الشعراء: 179] فيما أرسلت به. { وَ } لا تخافوا عن أخذ الجعل والرشا؛ إذ { مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [الشعراء: 180] يعطيني جزاء إرشادي وإبلاغي، ويوصلني إلى منتهى أملي ومرادي. وعليكم أيها المكلفون المنحرفون عن جادة العدالة الإلهية إيفاء الكيل { أَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ } إبقاءً تاماً كاملاً { وَلاَ تَكُونُواْ } بتنقيصه وتطفيفه { مِنَ ٱلْمُخْسِرِينَ } [الشعراء: 181] الناقصين حقوق عباد الله؛ حتى لا يخسركم رحمته. { وَزِنُواْ } وقت وزنكم لغيركم من عباد الله { بِٱلْقِسْطَاسِ } والميزان { ٱلْمُسْتَقِيمِ } [الشعراء: 182] العدل السوي بحيث لا يميل إلى جانب أصلاً. { وَ } عليكم أيضا أن { لاَ تَبْخَسُواْ } ولا تنقصوا { ٱلنَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ } ولا تكسروا سلعهم { وَ } بالجملة: { لاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ } أي: لا تمشوا عليها بالظلم { مُفْسِدِينَ } [الشعراء: 183] بأنواع الفساد. { وَ } كيف تفسدون فيها، وتظلمون من عليها { ٱتَّقُواْ } القادر المقتدر { ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ } وأظهركم من كتم العدم { وَ } كذا خق { ٱلْجِبِلَّةَ ٱلأَوَّلِينَ } [الشعراء: 184] وذوي الخلقة من المتقدمين من أسلافكم وغيرهم أيضاً. وبعدما سمعوا منه ما سمعوا من الحكم والتذكيرات { قَالُوۤاْ } متهكمين مستهزئين: { إِنَّمَآ أَنتَ } يا شعيب { مِنَ ٱلْمُسَحَّرِينَ } [الشعراء: 185] الذين ضاعت عقولهم بالسحر والافتتان. { وَ } كيف تكون أنت من المرسلين { مَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا } ومن أين يتيسر لبشر أن يكون مرسلاً من رب العالمين { وَإِن نَّظُنُّكَ } في دعواك الرسالة { لَمِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } [الشعراء: 186] المفترين؟!. { فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً } قطعاً { مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } من بعض إقطاعها تهلكنا بها { إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } [الشعراء: 187] في أمرك هذا ورسالتك. وبعدما آيس شعيب عليه السلام عن إيمانهم { قَالَ } لهم مشتكياً إلى الله: { رَبِّيۤ أَعْلَمُ } بعلمه الحضوري { بِمَا تَعْمَلُونَ } [الشعراء: 188] من أنواع الفسادات، وبمقدار ما تستحقون عليها من الجزاء والعذاب. وبالجملة { فَكَذَّبُوهُ } تكذيباً شديداً، وأنكروا عليه إنكاراً بليغاً، ولم يقبلوا قوله واستحقوا العذاب { فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ ٱلظُّلَّةِ } على الوجه الذي اقترحوا منه، شدد الله عليهم بالحرِّ؛ حيث اضطروا إلى الاستظلال، وذلك يوم غلت المياة في الأنهار، وظلتهم السحابة بغتةً فازدحموا تحتها مستظلين، فأمطر الله عليهم ناراً فاحترقوا بالمرة { إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } [الشعراء: 189] لعظم جرمهم وعذابهم فيه. { إِنَّ فِي ذَلِكَ } الأخذ والإنزال والإظلال { لآيَةً } دالة على كمال قهرنا إياهم وزجرنا وانتقامنا عنهم { وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } [الشعراء: 190] بقهرنا وغضبنا متقضيات أوصافنا الجلالية. { وَإِنَّ رَبَّكَ } يا أكمل الرسل { لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } الغالب على عموم المرادات والمقدورات من الثواب والعقاب، والإنعام والانتقام { ٱلرَّحِيمُ } [الشعراء: 191] على من فقهم إلى مقتضى ما رضي عنهم، ويسر لهم الامتثال بما أمرهم ونهاهم. هذا آخر القصص السبع المذكورة؛ لتسلية رسول الله من أن المكذبين للرسل مأخوذون بأنواع العذاب، مستهلكون بأصناف النكال، إنما ذكر سبحانه؛ ليعتبر منها المعتبرون من المؤمنين، ويتفطن المكذبون ما سيلحقهم من العذاب لو أصروا على ما هم عليه من التكذيب.