ثمَّ قال سبحانه: { كَذَّبَتْ } أيضاً { قَوْمُ لُوطٍ ٱلْمُرْسَلِينَ } [الشعراء: 160] مثل ما كذب السابقون.
وذلك في وقت { إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ } حين شاعت بينهم الفعلة القبيحة الذميمة، والديدنية الشنيعة إلى حيث يباهون بها ولا يخافونها { أَلا تَتَّقُونَ } [الشعراء: 161] من غضب الله أيها المسرفون المفرطون، اتقوا الله الغالب الغيور، واحذروا من سخطه.
{ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ } من قبله { أَمِينٌ } [الشعراء: 162] يؤمنكم عن مكر الله، وإلمام غضبه وعذابه.
{ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } حق تقاته { وَأَطِيعُونِ } [الشعراء: 163] في جميع ما جئت لكم من عنده.
{ وَ } اعملوا أني { مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ } أي: على تبليغي ونصحي { مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [الشعراء: 164] فإنه المتكفل لأجور عباده على مقتضى أعمالهم ونياتهم فيها.
{ أَتَأْتُونَ } وتجامعون أيها المفسدون المفرطون { ٱلذُّكْرَانَ } أي: الذكور والأمارد وتختصون بهذه القبيحة الشنيعة، مع أنه ما سبق مثلها { مِنَ ٱلْعَالَمِينَ } [الشعراء: 165] من الذين مضوا من بني نوعكم.
{ وَ } تبالغون لها، حيث { تَذَرُونَ } وتتركون { مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ } لإتياكنكم وحرثكم { مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ } أي: نسائكم؛ ليترتب عليها حكمة التناسل وإبقاء النوع { بَلْ أَنتُمْ } بسوء صنيعكم وقبح فعلتكم هذه { قَوْمٌ عَادُونَ } [الشعراء: 166] مجاوزون عن حدود الله ومقتضى حكمته.
وبعدما سمعوا منه تشنيعه على أبلغ وجه وأشنعه { قَالُواْ } من شدة شكيمتهم وضغينتهم: { لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يٰلُوطُ } ولم تنزجر عن تشنيعنا وتقبيح فعلنا، ونهينا عنه { لَتَكُونَنَّ } بجراءتك علينا { مِنَ ٱلْمُخْرَجِينَ } [الشعراء: 167] من قريتنا على أشنع وجه وأسوئه.
وبعدما سمع لوط عليه السلام منهم ما سمع من الغلظة والتشدد في التهديد: { قَالَ } متسوحشاً منهم، مستنكراً عليهم: { إِنِّي لِعَمَلِكُمْ } هذا { مِّنَ ٱلْقَالِينَ } [الشعراء: 168] المغضين غاية البغض إلى حيث أكره مساكنكم مطلقاً، وأريد الخروج من بينكم، ولا أبالي من تهديدكم عليَّ بالإخراج.
ثمَّ توحه نحو الحق وناجى معه مبغضاً عليهم، مشتكياً إلى ربه بقوله: { رَبِّ } يا من رباني بأنواع الطهارة والنظافة الصورية والمعنيوة { نَّجِنِي } بفضلك وجودك { وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ } [الشعراء: 169] أي: من العذاب الموعود النازل عليهم بشؤم عملهم هذا.
فأنزلنا العذاب عليهم بعدما استحقوا لإنزاله { فَنَجَّيْنَاهُ } أي: لوطاً { وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ } [الشعراء: 170] من إصابة العذاب المنزل على قومه.
{ إِلاَّ عَجُوزاً } وهي امرأته بقيت { فِي ٱلْغَابِرِينَ } [الشعراء: 171] الهالكين بميلها إليهم ومحبتها لهم.
{ ثُمَّ دَمَّرْنَا } وأهلكنا { ٱلآخَرِينَ } [الشعراء: 172].
{ وَ } ذلك بأن { أَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً } لم يعهد مثله؛ لأنه حجارة هالكة لكل من أصاب { فَسَآءَ مَطَرُ ٱلْمُنذَرِينَ } [الشعراء: 173] مطرهم هذا.
{ إِنَّ فِي ذَلِكَ } الإمطار والإهلاك { لآيَةً } عظيمة، دالة على علو شأننا وسطوع حجتنا وبرهاننا { وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } [الشعراء: 174] بآياتنا العظام؛ لذلك لحقهم ما لحقهم.
{ وَإِنَّ رَبَّكَ } يا أكمل الرسل { لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } المتعزز برداء العظمة والكبرياء، المتفرد بالوجود والبقاء، لا موجد سواه، ولا إله إلا هو { ٱلرَّحِيمُ } [الشعراء: 175] المتجلي بالتجليات الحبية؛ لإظهار ما في الوجود من الأعيان والأكوان.