الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَآ آمِنِينَ } * { فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } * { وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ } * { وَتَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ } * { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } * { وَلاَ تُطِيعُوۤاْ أَمْرَ ٱلْمُسْرِفِينَ } * { ٱلَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ } * { قَالُوۤاْ إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ ٱلْمُسَحَّرِينَ } * { مَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } * { قَالَ هَـٰذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } * { وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ } * { فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُواْ نَادِمِينَ } * { فَأَخَذَهُمُ ٱلْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } * { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ }

{ أَتُتْرَكُونَ } وتبقون { فِي مَا } أي: في أنواع النعم، وأصناف الإحسان والكرم، وتستمرون { هَاهُنَآ } أي: في هذه النشأة كذلك { آمِنِينَ } [الشعراء: 146] بلا فترة انتقال وتحويل، مترفهين { فِي جَنَّاتٍ } أي: حدائق وبساتين { وَعُيُونٍ } [الشعراء: 147] جاريات فيها { وَزُرُوعٍ } كثيرة في أطرافها { وَ } لا سيما { نَخْلٍ } لطيف { طَلْعُهَا هَضِيمٌ } [الشعراء: 148] إذ هو ينكسر وينهضم بسهولة، ويستحيل دماً بسرعة.

{ وَ } من كمال بطركم، ونهاية حرصكم وأملكم { تَنْحِتُونَ } أي: تثقبون وتنقبون { مِنَ ٱلْجِبَالِ } المتحجرة { بُيُوتاً } ومخازن تدخرون وتخزنون أمتعتكم فيها؛ صوناً لها عن أنواع الحادثات بطرين { فَارِهِينَ } [الشعراء: 149] متنعمين.

{ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } المحول للأحوال؛ حتى لا يبدل يسركم إلى العسر، وتنعيمكم إلى التنقيم { وَأَطِيعُونِ } [الشعراء: 150] في نصحي وتذكيري.

{ وَلاَ تُطِيعُوۤاْ أَمْرَ ٱلْمُسْرِفِينَ } [الشعراء: 151] في الإغراء على المعاصي والتغرير فيها؛ إذ هم { ٱلَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ } بأنواع الفسادات، ومن جملتها: إفسادكم وإغراؤكم إلى ما يضركم { وَلاَ يُصْلِحُونَ } [الشعراء: 152] مفاسد أحد.

وبعدما سمعوا من صالح ما سمعوا من النصيحة والإرشاد، وأنواع الإصلاح والسداد { قَالُوۤاْ } من فرط تعنتهم وعنادهم، وكمال توغلهم في بحر الغفلة والغرور: { إِنَّمَآ أَنتَ } يا صالح { مِنَ ٱلْمُسَحَّرِينَ } [الشعراء: 153] المختلين المخبطين عقولهم بالسحر.

لذلك تتخيل أنك رسول مرسل من قبل الحق هادٍ إلى طريقه، مع أنك { مَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا } بلا رجحان لك علينا، ولم يعهد إرسال البشر إلى البشر، وبعدما عيروه وشنعوا عليه قصدوا تعجيزه، فأمروه بإتيان البرهان على صدقه، فقالوا متهكمين: { فَأْتِ } يا صالح { بِآيَةٍ } معجزة دالة على صدقك في دعواك { إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } [الشعراء: 154].

{ قَالَ } صالح: معجزتي الدالة على حقية دعوتي ورسالتي { هَـٰذِهِ نَاقَةٌ } مخرجة من الصخرة بإخراج الله بعدما اقترحتموني بإخراجها، فدعوت الله القادر المقتدر على اختراع الامور المستبدعة، وأتضرع نحوه فقل دعائي، فأخرجها بقدرته على الوجه الذي اقترحتم، فاعلموا أيها المنهمكون في بحر الغفلة والغرور أنه { لَّهَا } أي: للناقة { شِرْبٌ } أي: معين لشربها من بئركم بتعيين الله إياها { وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } [الشعراء: 155] معين.

فعليكم ألاَّ تتجاوزوا من شربكم إلى شربها، ولا تضروا بها { وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ } من ضرب وعقر، وظمأ وجوع، فإنكم أن تمسوها بسوء { فَيَأْخُذَكُمْ } وينزل عليكم { عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ } [الشعراء: 156] وصف به، لعظم ما فيه من العذاب.

ثمَّ لمَّا أوصاهم بحفظها وحضانتها، وبالغ في شأنها لم يقبلوا منه، ولم يبالوا بقوله فاجتمعوا على عقرها متفقين { فَعَقَرُوهَا } بعدما اتفق الكل { فَأَصْبَحُواْ } بعدما عقروها { نَادِمِينَ } [الشعراء: 157] خائفين من نزول العذاب، لا تائبين آيبين عمَّا فعلوا من ترك المأمور وارتكاب المنهي.

وبعدما استحقوا العذاب بصنيعهم هذا { فَأَخَذَهُمُ ٱلْعَذَابُ } الموعود المعهود من قبل الحق فنزل عليهم، فأهلكهم بالمرة إلى حيث لم يبق منهم أحد على وجه الأرض { إِنَّ فِي ذَلِكَ } الابتلاء والإنزال والإهلاك { لآيَةً } عظيمة مثبتة لكمال قدرة الله وقهره على مقتضى صفاته الجلالية { وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } [الشعراء: 158] بقهره وجلاله.

{ وَإِنَّ رَبَّكَ } يا أكمل الرسل { لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } الغالب القاهر على أعدائه بمقتضى غضبه وجلاله { ٱلرَّحِيمُ } [الشعراء: 159] المشفق على أوليائه حسب اقتضاء لطفه وجماله.