الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلاَئِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا لَقَدِ ٱسْتَكْبَرُواْ فِيۤ أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً } * { يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلاَئِكَةَ لاَ بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً } * { وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً } * { أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } * { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ بِٱلْغَمَامِ وَنُزِّلَ ٱلْمَلاَئِكَةُ تَنزِيلاً } * { ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ لِلرَّحْمَـٰنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى ٱلْكَافِرِينَ عَسِيراً }

{ وَ } من جملة جدالهم وعنادهم: { قَالَ } الكافرون الجاحدون { ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا } أي: لا يؤملون لقيانا، ولا يخافون منَّا لإنكارهم بنا وبوعدنا يوم الجزاء: لو كان محمد صلى الله عليه وسلم رسولاً مؤيداً من عند الله { لَوْلاَ } أي: هلا { أُنْزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلاَئِكَةُ } المصدقون لرسالته؛ ليخبرونا بصدقه في دعواه { أَوْ } هلا { نَرَىٰ رَبَّنَا } الذي يدعونا إليه معاينة، فيخبرنا ربنا بصدق رسوله حتى نصدقه بلا تردد، وقال سبحانه في ردهم مقسماً على سبيل التعجب والاستغراب: والله { لَقَدِ ٱسْتَكْبَرُواْ فِيۤ أَنفُسِهِمْ } أولئك المسرفون المفرطون بقولهم هذا مكابرة؛ حيث طلبوا من الله ما لا يسع لخُلَّص عباده من ذوي النفوس القدسية { وَعَتَوْا } بإخطار هذه المطلب العظيم في خواطرهم، وإن صدر عنهم هذا تهكماً واستهزاءً { عُتُوّاً كَبِيراً } [الفرقان: 21] فاستحقوا بذلك أكبر ال عذاب وأصعب النكال والوبال.

اذكر لهم يا أكمل الرسل { يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلاَئِكَةَ } أي: ملائكة العذاب مع أنه { لاَ بُشْرَىٰ } ولا بشارة لهم برؤيتهم { يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ } بل إنما يجيئون إليهم؛ ليجروهم إلى جهنم صاغرين مهانين { وَ } بعدمنا يرونهم صائلين عليهم صولة الأسود { يَقُولُونَ } متحسرين خاسرين قولاً يقول به العرب عند هجوم البلاء ونزول العناء واليأس التام من الظفر بالمطلوب، وهو قولهم: هذا { حِجْراً مَّحْجُوراً } [الفرقان: 22] وهو كنى عن قولهم: حُرمنا عن التبشير بالجنة حرماناً مؤبداً، أو صرنا مسجونين في النار سجناً مخلداً.

ثم قال سبحانه: { وَ } بعدما حرَّمنا الجنة عليهم، وجعلنا مصيرهم النار { قَدِمْنَآ } وعمدنا { إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ } إلى أصلح أعمالهم وأحسنها التي أتوا في النشأة الأولى؛ كقِرى الضيف وصلة الرحم وإعانة الملهوف وإغاثة المظلوم وغير ذلك من حسنات أعمالهم { فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً } [الفرقان: 23] أي: صيرناه كالغبار المنثور بالرياح لا ترتب القبول والجزاء والثواب عليه؛ لفقدهم شرط القبول والإثابة وقت صدورها عنهم، وهو الإيمان والتوحيد، والتصديق بالرسل والكتب، والعمل بمقتضى الوحي، وهم كفار مكذبون مستكبرون، لذلك لم يقبل منهم أعمالهم.

وأما { أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ } المتصفون بالإيمان والتوحيد، وتصديق الكتب والرسل، الممتثلون بالأوامر والنواهي على مقتضى ما بلَّغهم الرسل وبيَّن له فهم { يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً } أي: من جهة مكان يستقرون عليه، ويتوطنون فيه { وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } [الفرقان: 24] يستريحون، ويستروحون فيه مع الحور والغلمان.

يومئذ يتلذذون أو هم { يَوْمَئِذٍ } [الفرقان: 24] أي: يوم انقطاع السلوك، وانكشاف السُّدل والأغطية المانعة من الشهود { خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً } [الفرقان: 24] من جهة استقرارهم في مقر التوحيد، آمنين عن وساوس الأوهام والخيالات الباطلة { وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } [الفرقان: 24] يستريحون فيه بلا مقتضيات القوى والآلات البشرية المنخلعين عن لوازم ناسوتهم مطلقاً، مشرفين بخلع من قبل اللأهوت وحضرة الرحموت.

{ وَ } ذلك { يَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ } تتصفى، وتتجلى سماء الأسماء الإلهية المنكدرة المحتجة { بِٱلْغَمَامِ } أي: بغيوم التعينات العدمية المنعكسة منها { وَنُزِّلَ ٱلْمَلاَئِكَةُ } المهيمين عند الذات الأحدية، وهي الأسماء والصفات التي استأثر الله به في غيبه بلا انعكاس وانبساط وامتداد ظل كسائر الأسماء الفعالة { تَنزِيلاً } [الفرقان: 25] على صرافة تجردهم بلا تدنس وانغماس بغيوم التعينات والتعلقات.

السابقالتالي
2