رُوي أنه صلى الله عليه وسلم قرأها على أبي بكر رضي عنه، فقال: بلى أحب، وأعاد إلى مسطح - هو أحد القاذفني الآفكين - وهو ابن خالته فقيرُ ليس له شيء ينفقه على نفسه؛ لأنه ينفق عليه دائماً. ثم قال سبحانه تذكيراً لعموم عباده، ونهياً لهم عن الرمي بالزنا مطلقاً: { إِنَّ } المسرفين { ٱلَّذِينَ يَرْمُونَ } بالزنا { ٱلْمُحْصَنَاتِ } المتعففات، والمستحفظات لحدود الله { ٱلْغَافِلاَتِ } البرئيات المنزهَات عما رُموا به أولئك الغفلة الجهلة ظلماً وزوراً { ٱلْمُؤْمِناتِ } بالله، وبما جاء من عنده من الحدود والأحكام الجارية على ألسنة رسله، وبيوم الجزاء المعدّ للكشفش والتفضيح { لُعِنُواْ } وطُردوا عن روح الله وسعة رحمته؛ لقصدهم عرض العفائف، وهتك أستارهن، وطعنهم فيهن افتراءً ومراءً { فِي ٱلدُّنْيَا } بإجراء الحد وأنواع الطرد والشتم، ورد شهادتهم مدة حياتهم { وَٱلآخِرَةِ } بأنواع العذاب والنكال. { وَ } بالجملة: { لَهُمْ } بسبب قبح صنيعهم وسوء فعالهم { عَذَابٌ عَظِيمٌ } [النور: 23] لا عذاب أعظم منه؛ لعظم جرمهم وعصيانهم. اذكر لهم يا أكمل الرسل توبيخاً لهم، وتذكيراً لمن اعتبر منهم من المؤمنين { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ } بإلهام الله وإعلامه { أَلْسِنَتُهُمْ } وتقر بما صدر عنها من الكذب والافتراء، ورمي المحصنات، وقذف العفائف عمداً بلا علم لهم ولا شعور بحالهن { وَأَيْدِيهِمْ } لما افترقوا من الأخذ والإعطاء لا على الوجه المشروع { وَأَرْجُلُهُمْ } بالسعي والتردد إلى ما يرضى منه سبحانه ولا رسوله ولا المؤمنون، وبالجملة: يقر كل من أعضائهم وجوارحهم { بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [النور: 24] ويكتسبون من المعاصي والآثام. { يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ ٱللَّهُ } المجازي لأعمالهم { دِينَهُمُ } وجزائهم { ٱلْحَقَّ } أي: ما يستحقون من الجزاء بلا زيادة ونقصان عدلاً منه سبحانه { وَ } حنيئذٍ { يَعْلَمُونَ } يقيناً { أَنَّ ٱللَّهَ } القادر على الإنعام والانتقام { هُوَ ٱلْحَقُّ } المقصور على التحقق والثبوت بالقسط والعدل { ٱلْمُبِينُ } [النور: 25] الظاهر ألوهيته وربوبيته على الوجه الأقسط الأعدل الأقوم، بلا ميلٍ منه وانحرافٍ عن جادة الاستقامة والعدل الحقيقي. ومن جملة عدالته: رعاية المناسبات بين المظاهر والمربوبات، كما بينها سبحانه بقوله: { ٱلْخَبِيثَاتُ } من النساء المطعونات بأنواع الرذائل، المنحرفات عن جادة السلام والطهارة { لِلْخَبِيثِينَ } كذلك من الرجال؛ يعني: لا يتزوجهن غير الخبيثين بحكم المناسبة { وَ } كذا { ٱلْخَبِيثُونَ } من الرجال { لِلْخَبِيثَاتِ } من النساء، كلُ لنظيرتها بحكم المصلحة الإلهية. { وَ } كذا { ٱلطَّيِّبَاتُ } الطاهرات العفائف المحصنات { لِلطَّيِّبِينَ } أيضاً كذلك { وَ } كذا { ٱلطَّيِّبُونَ } المستقيمون على جادة التوحيد والعدالة { لِلْطَّيِّبَاتِ } أيضاً كذلك؛ إذ كلُ يميل بالطبع إلى شاكلته بالميل المعني الموضوع بالوضع الإلهي، ومتى ثبت هذا الحكم، وتبين هذه المناسبات بتبيين الله { أُوْلَـٰئِكَ } العفائف المطهرون الطيبون { مُبَرَّءُونَ } منزَّهون { مِمَّا يَقُولُونَ } أولئك الرماة المفترون والطغاة الخبيثون المنحرفون عن طريق احلق، الناكبون عن صراطٍ مستقيم، ولبراءتهم ونزاهتهم { لَهُم مَّغْفِرَةٌ } وعفوٌ من الله المطَّلعِ لبراءتهم الشاهدِ عليها { وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } [النور: 26] وهو الرزق الصوري والمعنوي، الذي يتلذذون به الجنة عند كشف الغطاء ورفع الحجب.