الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ وَإِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱتَّقُونِ } * { فَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } * { فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّىٰ حِينٍ } * { أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ } * { نُسَارِعُ لَهُمْ فِي ٱلْخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ } * { وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ } * { وَٱلَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ } * { وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ } * { وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِٱلْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } * { بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَـٰذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذٰلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ }

{ وَ } إذا علمتم أن مناط أمركم في عملكم المقرِّبة إلى ربكم على وجه الإخلاص والخضوع، فعليكم بأجمعكم أن تداوموا وتلازموا عليها { إِنَّ هَـٰذِهِ } الطريقة المعهودة المذكورة لكم من ربكم { أُمَّتُكُمْ } أي: قدوتكم وقبلتكم، موصلةُ إلى توحيد ربكم لذلك صارت { أُمَّةً وَاحِدَةً } لا تعددَّ فيها ولا اختلافَ أصلاً، وإن كانت جهاتها مختلفةً متعددةً بحسب اختلاف الشرائع والأديان على مقتضى الأعصار والأزمان { وَأَنَاْ رَبُّكُمْ } الواحد الأحد الصمد الفرد الوتر، الذي لا أكون عرضةً للتعدد والكثرة أصلاً { فَٱتَّقُونِ } [المؤمنون: 52] عن أخذي وبطشي ومتقضيات جلالي وقهري؛ إذ لا ملجأ لكم غيري.

ومع ذلك { فَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ } أي: دينهم الواحد وملتهم الواحدة { زُبُراً } قِطعاً مختلفةً وأحزاباً متفاوتةً ومِلَلاً متخالفةً، يدعي كل منهم حقية دينه وملته، فصار { كُلُّ حِزْبٍ } منهم { بِمَا لَدَيْهِمْ } من الدين والملة { فَرِحُونَ } [المؤمنون: 53] مسرورون معجَبون.

{ فَذَرْهُمْ } بعدما تحزبوا وانحرفوا عن التوحيد وانصرفوا عن جادته، واتركهم على حالهم يعمهون { فِي غَمْرَتِهِمْ } أي: جهلهم وغوايتهم { حَتَّىٰ حِينٍ } [المؤمنون: 54] أي: حين انكشاف الغطاء عن بصائرهم والعماءِ عن أبصارهم فعاينوا العذاب، ولم يمكنهم ردّه والنجاة منه فيهلكوا صاغرين.

{ أَيَحْسَبُونَ } ويعتقدون أولئك الضالون المنهمكون في بحر الغفلة والضلال { أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ } ونعطيهم إمداداً لهم وإعانةً عليهم { مِن مَّالٍ } ملهٍ لنفوسهم ومشغلٍ لقلوبهم { وَبَنِينَ } [المؤمنون: 55] يستعبدون نفوسهم ويسترقون أعناقهم.

{ نُسَارِعُ } ونبادرُ { لَهُمْ فِي } نيل { ٱلْخَيْرَاتِ } تفضلاً منا إياهم؛ لذلك يباهون ويفتخرون بها، ويتفرقون على من دونهم لأجلهما { بَل } هو استدراجُ منا إياهم، وإمهالُ لهم كي يحصّلوا أسباب أشد العذاب وأسوأ العقوبات، ويستحقوا بواسطتها أسفل دركات النيران { لاَّ يَشْعُرُونَ } [المؤمنون: 56] الاستدراج من الكرامة، فحلموا عليها وبأهوائها، فيسعلمون مصيرهم ومنقلبهم إلى أين.

ثم قال سبحانه: { إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ } [المؤمنون: 57] خائفون حذرون متحرزون.

{ وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبَّهِمْ } النازلةِ على رسله { يُؤْمِنُونَ } [المؤمنون: 58] يصدقون ويذعنون.

{ وَٱلَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ } [المؤمنون: 59] بل يستقلونه بالوجود ولا يثبتون لغيره وجوداً، ولا يسندون الحوادث إلى الأسباب العادية بل يسندون كلها إليه أولاً، وبالذات.

{ وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ } من الأعمال والصدقات ومطلق الحسنات { وَّقُلُوبُهُمْ } في حال إتيانها { وَجِلَةٌ } خائفةُ مستوحشةُ بسبب { أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ } [المؤمنون: 60] بهذه الأعمال والحسنات، هل يقبل منهم أو يرد عليهم، وهم دائاً بين الخوف والرجاء خائفون عن قهره، راجون من لطفه.

{ أُوْلَـٰئِكَ } السعداء المحسنون الأدب مع الله، المخلصون في أعمالهم { يُسَارِعُونَ } أي: يرغبون ويبادرون { فِي ٱلْخَيْرَاتِ } وأنواع الطاعات والعبادات والحسنات، راجين أنواع الكرامات والمثوبات من الله { وَهُمْ لَهَا } أي: للحسنات وأنواع الخيرات والمبرَّات دائماً { سَابِقُونَ } [المؤمنون: 61] سارعون ساعون مبادرون.

{ وَ } اعلموا أيها المكلفون بأنواع التكاليف المصفية لظواهركم وبواطنكم { لاَ نُكَلِّفُ } ولا نحتمِّل { نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } أي: مقدار وسعِها وطاقتِها على ما هو مقتضى استعداداتهم وقابليتهم، وكيف نكلفهم بما لا طاقة لهم { وَلَدَيْنَا كِتَابٌ } جامعُ لجميع أحوال ما حدث وكان، ويحدث ويكون، وهو لوحُ قضائنا وحضرةُ علمنا مع أنه { يَنطِقُ بِٱلْحَقِّ } السويّّ الثابت المطابق للواقع بلا إفراط وتفريط { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } [المؤمنون: 62] بزيادة العذاب ونقصان الثواب، بل كل منهم مجزيُ بمقتضى ما ثبت فيه.

السابقالتالي
2