الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ } * { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِٱلَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَٰتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكُمُ ٱلنَّارُ وَعَدَهَا ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } * { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ ٱجْتَمَعُواْ لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ ٱلذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلْمَطْلُوبُ } * { مَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }

{ وَ } هو بسبب إنكارهم إحاطة علم الله { يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } المستحق للعبادة بالاستحقاق { مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً } أي: أصناماً وأوثاناً، لم ينزل سبحانه على استحقاقهم العبادة برهاناً من عند الله ليكون لهم حجة دالة على مدَّعاهم { وَ } أيضاً يعبدون { مَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ } أي: دليلُ عقلي دالُ على لياقتها واستحقاقها للعبادة والانقياد، بل يعبدونها ظلماً وزوراً بلا مستند عقلي ونقلي { وَمَا لِلظَّالِمِينَ } المتجاوزين عن مقتضى العقل والنقل { مِن نَّصِيرٍ } [الحج: 71] ينصرهم ويستدفع عنه عذاب الله، أو يستشفع لهم عنده سبحانه بتخفيفه عنهم.

{ وَ } من غاية ظلمهم وخروجهم عن حدود العقل والنقل { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا } الدالة على توحيد ذاتنا وكمال أسمائنا وصفاتنا مع كونها { بَيِّنَاتٍ } واضحات الدلالات { تَعْرِفُ } وتبصر أيها الرائي { فِي وُجُوهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بها { ٱلْمُنْكَرَ } أي: علامات الإنكار، وأمارات العتو والاستكبار، بحيث ترونهم من شدة شكيمتهم وغيظهم المفرط { يَكَادُونَ } ويقربون { يَسْطُونَ } يبطشون ويأخذون { بِٱلَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَٰتِنَا } هم: النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه غيظاً عليهم، وعلى ما جرى على ألسنتهم { قُلْ } يا أكمل الرسل على سبيل التوبيخ والتقريع { أَ } تنقبضون وتضجرون عن استماع هذه الآيات العظام وتتشاءمون من سماعها { فَأُنَبِّئُكُم } وأخبركم { بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكُمُ } الآيات، هي أشد عيظاً وأكثر تضجراً منها ألا وهي { ٱلنَّارُ } التي { وَعَدَهَا ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بسبب كفرهم وضلالهم { وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } [الحج: 72] النار لأصحاب الضلال والإنكار.

{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } الذين جبلوا على الغفلة والنيسان والجهل والطغيان عن عظمة الله وحق قدره، لذلك أثبتُّم له أمثالاً وأشباهاً مع تعاليه وتنزهه في ذاته عنها، اسمعوا: { ضُرِبَ مَثَلٌ } في حق شركائكم ومعبوداتكم { فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ } سمع وتدبير وتأمل، ثم أنصفوا { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ } وتعبدون أيها المدَّعون المكابرون { مِن دُونِ ٱللَّهِ } القادر بجميع المقدورات بالعلم التام، والإدارة الكاملة، والحكمة المتقنة { لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً } بل لن يقدروا على خلق أحقر منها وأخس، لا كل واحد منهم فرادى، بل { وَلَوِ ٱجْتَمَعُواْ لَهُ } أي: لخلق الذباب وتظاهروا لإيجاده مجتمعين لن يقدروا أيضاً، وكيف خلْقُ الذباب وإظهاره؟ { وَإِن يَسْلُبْهُمُ } ويأخذ منهم { ٱلذُّبَابُ } الحقير الضعيف { شَيْئاً } من الآلهة الباطلة من حيلهم وتزييناتهم { لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ } ولا يقدروا على أن يخرجوه من يده لعجزهم وعدم قدرتهم، فكيف تعبدون أيها الحمقى العابدون أولئك الهلكى العاجزين الساقطين؟! فظهر للمتأمل المتدبر أنه { ضَعُفَ } أي: انحط وسقط عن زمرة العقلاء ورتبتهم { ٱلطَّالِبُ } العابد الجاهل { وَٱلْمَطْلُوبُ } [الحج: 73] المعبود المجهول المنحط عن رتبة أحقر الأشياء وأخسها فكيف عن أعلاها؟! فيكف عن خالقها وموجودها؟! تعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً.

كل ذلك بواسطة أنهم { مَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ } القادر المقتدر على جميع المقدورات والمرادات وما علموه { حَقَّ قَدْرِهِ } كما هو اللائق بشأنه، وما عرفوه حتى معرفته، لذلك ما صفوه حق وصفه، ونسبوه إليه سبحانه مالا يليق بجانبه جهلاً وعناداً، وأثبتوا له شركاء عاجزين من أضعف الأشياء { إِنَّ ٱللَّهَ } المتردي برداء العظمة والكبرياء { لَقَوِيٌّ } في ذاته لا حول ولا قوة إلا به { عَزِيزٌ } [الحج: 74] غالبٌ في أمره وحكمه، متصرف مستقل في ملكه وملكوته، يفعل بالإدارة والاختيار، ويحكم ما يريد، لا راد لفعله، ولا معقب لحكمه.