يعني: اجتبوا عن الشرك والمعاصي المنافية للتوحيد، وكونوا { حُنَفَآءَ للَّهِ } مخلصين له غير مائلين عن دينه { غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ } شيئاً من مظاهره ومصنوعاته { وَ } اعلموا أيها العقلاء الموحدون أن { مَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ } الواحد الأحد المنزه عن الشريك مطلقاً سواء كان شركه خفياً أو جلياً { فَكَأَنَّمَا خَرَّ } وسقط { مِنَ ٱلسَّمَآءِ } أي: أوج الإيمان وأعلى درجة التوحيد والعرفان { فَتَخْطَفُهُ } أي: إذا سقط أخذه { ٱلطَّيْرُ } فجأة في الهواء، فيرميه في حضيض غائر بعيد عن العمران { أَوْ تَهْوِي بِهِ ٱلرِّيحُ } حين سقوطه منها فتطرحه { فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } [الحج: 31] بعيد، ووادٍ عميق. وبالجملة من يشرك بالله - والعاي به منه - فقد وقع في هاوية الضلال بحيث لا يرجى نجاته منها أصلاً، الحكم والأمر. { ذٰلِكَ } المذكور لمن أشرك بالله، ونسي الأدب معه، ولم يعرف حق قدره { وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ ٱللَّهِ } المأمورة في أداء الحج، ويوقرها حق توقيرها وتعظيمها { فَإِنَّهَا } أي: تعظيمها وتحسينها ناشئة { مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ } [الحج: 32] الناظرة إلى الله بنور الحق في جميع حالاتها. { لَكُمْ } أيها المؤمنون الناسكون بمناسك الحج { فِيهَا } أي: في الهدايا والضحايا { مَنَافِعُ } درها وصوفها وشعرها وظهرها ونسلها { إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } أي: إلى حلول وقتٍ عيّنه سبحانه لذبحها { ثُمَّ } بعدما قرب وقتها، وحان حينها { مَحِلُّهَآ إِلَىٰ ٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } [الحج: 33] أي: محل ذبحها عند البيت العتيق؛ أي: جميع الحرم حواليه. { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ } من الأمم الماضية { جَعَلْنَا مَنسَكاً } أي: مذبحاً معيناً يتقربون فيه إلينا، ويهدون نحونا بهدايا وقرابين وإنما أعطيناهم ذلك { لِّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ } عند التذكية والذبح { عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ } مما ملكت أيمانهم { مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ } قيدنا لهم؛ لأن الخيل والحمير لا يليق بالقربان والهدي، وبعدما علمتم أن لكل أمة مذبحاً معيناً ومنسكاً مخصوصاً يتقربون فيها إلينا { فَإِلَـٰهُكُمْ } أي: فاعلموا أن إلهكم { إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } أحد صمد فردٌ وترٌ لا تعدد فيه ولاشركة { فَلَهُ أَسْلِمُواْ } وتوجهوا إن كنتم مسلِّمين أموركم إليه { وَبَشِّرِ } يا أكمل الرسل من بين المؤمنين المسلمين بالمثوبة العظمى، والدرجة العليا، والفوز بشرف اللقيا { ٱلْمُخْبِتِينَ } [الحج: 34] المطيعين الخاضعين المتواضعين الذين خَبَت، وخمدت نار شهواتهم من بأس الله وخشيته. وهم { ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ } القادر المقتدر بالإنعام والانتقام { وَجِلَتْ } وخشيت { قُلُوبُهُمْ } خوفاً من قهره وغضبه، وصولة صفات جلاله وسطوة سلطنته وكبريائه { وَ } أيضاً { ٱلصَّابِرِينَ عَلَىٰ مَآ أَصَابَهُمْ } من المصيبات والبليات التي جرى حكم الله عليه في سابق قضائه { وَٱلْمُقِيمِي ٱلصَّلاَةِ } المفروضة بأوقاتها مع شرائطها، وأركانها، وآدابها تقرباً إليه، وتوجهاً نحوه بكمال الخضوع، والخشوع، والتذلل، والانكسار { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ } و استخلفناهم عليه، ونسبناه إليهم { يُنفِقُونَ } [الحج: 35] على الوجه الذي أمرناهم به، أي: على المصارف المذكورة في قوله سبحانه: