الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ أُوْلَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } * { لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا ٱشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ } * { لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ هَـٰذَا يَوْمُكُمُ ٱلَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } * { يَوْمَ نَطْوِي ٱلسَّمَآءَ كَطَيِّ ٱلسِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَآ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ } * { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي ٱلزَّبُورِ مِن بَعْدِ ٱلذِّكْرِ أَنَّ ٱلأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّالِحُونَ }

نزل بعده: { إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ } عنايةٌ { مِّنَّا } الخصلة { ٱلْحُسْنَىٰ } والمنزلة الأسنى والدرجة العليا، والجنة المأوى { أُوْلَـٰئِكَ } السعداء المخصوصون بمزيد لطفنا وجودنا { عَنْهَا } أي: عن النار { مُبْعَدُونَ } [الأنبياء: 101] لسبق رحمتنا إياهم وعفونا عنهم.

بحيث: { لاَ يَسْمَعُونَ } من غاية البعد منها { حَسِيسَهَا } أي: صوتها على وجه الخفاء كدويّ النحل، مع أن أهلها يُصرخون فيها، ويَفزعون في غاية الشدة، ولا تصل لغاية بعدهم عنها { وَ } كيف يسمعون حسيس النار { هُمْ } متنعمون مترفهون { فِي مَا ٱشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ } من اللذات الروحانية، والمشتهيات النفسانية عنايةً من الله إياهم { خَالِدُونَ } [الأنبياء: 102] دائمون مستمرون بلا طريان ضدٍ وعروض منافر.

وكيف يسمعون ويحزنون أولئك الآمنون من حسيس النار مع أنهم من فرط فرحهم وسرورهم { لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ } وهو النخفة الأخيرة في الصور، مع أنها في نهاية الهول والفظاعة، وإذا لم يشوشهم تلك الهائلة فكيف بالحسيس { وَ } بعد دخولهم في الجنة الموعودة { تَتَلَقَّاهُمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ } مرحبين مهنئين قائلين: { هَـٰذَا يَوْمُكُمُ ٱلَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } [الأنبياء: 103] في نشأتكم الأولى أيها المؤمنون الآمنون، وأنتم فيها تؤمنون بها، فالآن نلِتم بما آمنتم، وفزتهم بما أملتم.

اذكر يا أكمل الرسل: { يَوْمَ نَطْوِي } ونلف { ٱلسَّمَآءَ } المبسوطة المنشورة { كَطَيِّ ٱلسِّجِلِّ لِلْكُتُبِ } أي: طياً مثل طي الصحيفة الحافظة الحارسة للمكتوب فيها؛ يعني: نلفها لفاً بعد نشرها بحيث لا يبقى لها اسم ولا رسم، إذ طي الصحيفة كنايةُ عن نيسان الشيء وإعدامها وعدم التذكر، وبالجملة { كَمَا بَدَأْنَآ } وأبدعنا { أَوَّلَ خَلْقٍ } وإيجاد من العدم بلا سبق مادة ومدة { نُّعِيدُهُ } عليه كذلك، بحيث صار كأن لم يكن موجوداً أصلاً، وكان إعدامه { وَعْداً } منَّا لازماً { عَلَيْنَآ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ } [الأنبياء: 104] الموعود المعهود ألبتة إنجازاً لوعدنا.

{ وَ } كيف نفنيه ولا نعدمه { لَقَدْ كَتَبْنَا } وأثبتنا { فِي ٱلزَّبُورِ } وفي جميع الكتب المنزلة منَّا { مِن بَعْدِ ٱلذِّكْرِ } أي: بعد الحضور والثبوت في حضرة علمنا ولوح قضائنا: { أَنَّ ٱلأَرْضَ } أي: أرض الجنة المعدَّة لأهل الولاء والمحبة، ومستقر أرباب العناية؛ إذ لكل نفس من النفوس البشرية أرضُ معدة من فضاء الجنة، وإنما وصلوا إليها بالإيمان والأعمال الصالحة المقربة إلى الحق، فمتى لم يتصفوا بالإيمان والمعارف والتوحيد لم يصلوا إليها؛ وإذا لم يصلوا إليها بكفرهم وعنادهم وظلمهم { يَرِثُهَا } من الكفار أماكنهم المعدة لهم فيها { عِبَادِيَ ٱلصَّالِحُونَ } [الأنبياء:105] المقبولون عندنا، المتصفون بشعائر التوحيد والإيمان، والعارفون بمعالم الدين ومسالك العرفان، المرضيون الراضون بجميع ما جرى عليهم من قضائنا.