الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلآخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } * { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِٱلرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَىٰ أَنْفُسُكُمْ ٱسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ } * { وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ }

ولما ذكر سبحانه قبح معاشهم ومعادهم أراد أن ينبه على المؤمنين بأسباب مقابحهم وإعراضهم ليحذروا منها ويحترزوا عنها فقال مشيراً لهم: { أُولَـٰئِكَ } البعداء عن منهج الصدق والصواب هم { ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ } استبدلوا واختاروا { ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلآخِرَةِ } الفانية غير القارة، بل اللاشيء المحض بالآخرة التي هي النعيم الدائم واللذة المستمرة والحياة الأزلية السرمدية { فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ } أي: عذاب الإمكان والافتقار لذلك { وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } [البقرة: 86] فيما هو متمناهم من الحوائج، بل دائماً مفترضون محتاجون، مسودة الوجوه في النشأتين.

واذكر يا أكمل الرسل للمؤمنين أيضاً من قبح صنائعهم ليعتبروا: { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ } المبعوث إليهم { ٱلْكِتَابَ } أي: التوراة المشتملة على مصالحهم الدنيوية والأخروية فكذبوه، ولم يلتفتوا إلى كتابه { وَ } بعدما قضى وانقرض موسى { قَفَّيْنَا } أي: عقبناه { مِن بَعْدِهِ بِٱلرُّسُلِ } المرسلة إليهم، أولي الدعوات والآيات والمعجزات، فكذبوهم أيضاً ولم يلتفتوا بما جاءوا به { وَ } بعد ذلك بزمان { آتَيْنَا } أيضاً { عِيسَى } المبعوث إليهم { ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ } الواضحات المبينات لأمر معاشهم ومعادهم { وَ } مع ذلك { أَيَّدْنَاهُ } أي: خصصناه وقويناه { بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ } بالروح المقدس عن رذائل الإمكان، فكذبوه أيضاً، فأرادوا قتله ولم يظفروا عليه، ألم تكونوا أنتم أيها الناقضون للعهود والمواثيق { أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ } من الرسل من عند ربكم لإصلاح حالكم { بِمَا لاَ تَهْوَىٰ } تحب وترضى { أَنْفُسُكُمْ } اشتغلتم بما جاءوا به بل { ٱسْتَكْبَرْتُمْ } عليهم واستحقرتموهم { فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ } كموسى وعيسى عليهما السلام { وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ } [البقرة: 87] كزكريا ويحيى - عليهما السلام - والقوم الذين شأنهم هذا كيف يرجى منهم الفلاح والفوز بالنجاح.

{ وَ } من غاية عداوتهم معك يا أكمل الرسل ومع من بايعك من المؤمنين أنهم { قَالُواْ } حين دعوتكم إياهم إلى الإيمان والتصديق بالإسلام: لا نفقة حديثكم ولا نفهم كلامكم؛ إذ { قُلُوبُنَا } التي هي وعاء الإيمان والإذعان { غُلْفٌ } مغلوف مغشاة بالأغطية الكثيفة لا يصل إليها دعوتكم وإخباركم قل لهم يا أكمل الرسل: لا غطاء ولا غشاوة إلا عنادكم وحديثكم وحسدكم على ظهور دين الإسلام وبغيكم عليه مع جزمكم بحقيته عقلاً ونقلاً { بَل } قل لهم نيابة عنا: { لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ } أي: طردهم وبعدهم باسمه المنتقم { بِكُفْرِهِمْ } أي: بسبب كفرهم المذكور في جبلتهم، لكونهم مقهروين تحت اسم المضل المذل، وإذا كانوا من مقتضيات اسم المضل { فَقَلِيلاً مَّا } نزراً يسيراً منهم { يُؤْمِنُونَ } [البقرة: 88] يهتدون بطريق التوحيد إيفاء لحق الفطرة الأصلية التي فطر الناس عليها، وهم الذين ذكرهم سبحانه في قوله:إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ } [البقرة: 62] وبالجملة فلا يجرى منهم الإيمان.