{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } واعتقدوا بوحدانية الله، وأيقنوا بألاَّ وجود لغير الله { وَ } مع الإيمان والإيقان { عَمِلُواْ } بالجوارح { ٱلصَّالِحَاتِ } المترتبة على هذا الاعتقاد المستلزمة إياه { أُولَـٰئِكَ } المقربون الواصلون إلى ما يصلون { أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ } القرب والوصول { هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [البقرة: 82] متمكنون ما شاء الله، ولا مرمى وراء الله، ولا مقصد سوى: لا إله إلا الله، لا حول ولا قوة إلا بالله. { وَ } اذكر يا أكمل الرسل للمؤمنين أيضاً قصة { إِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } أي: العهد الوثيق من بني إسرائيل المفرطين في بعض العهود والمواثيق، بأن قلنا لهم: { لاَ تَعْبُدُونَ } أي: لا تتوجهون ولا تتقربون { إِلاَّ ٱللَّهَ } الذي أظهركم من العدم ورتبكم ورباكم بأنواع اللطف والكرم، لكي تعرفون { وَ } لا تفعلون ولا تعاملون { بِٱلْوَالِدَيْنِ } المربيين لكم باستخلاف الله إياهما إلا { إِحْسَاناً } محسنين معهما بخفض جناح الذل وبذل المال وخدمة البدن { وَ } مع ذلك كذا مع { ذِي ٱلْقُرْبَىٰ } المنتمين إليهما بواسطتهما { وَ } لا يقهرون { الْيَتَامَىٰ } الأطفال الذي لا متعهد لهم من الوالدين، بل تحسنون لهم وتتعطفون معهم { وَ } كذا مع { ٱلْمَسَاكِينِ } الذين لا يمكنهم الكسب لعدم مساعدة إلا أنهم بالجملة { وَقُولُواْ لِلنَّاسِ } أي: لجميع الأجانب المستغنين عن جميع الأمداد { حُسْناً } قولاً حسناً هيناً ليناً مبيناً عن المحبة والوداد. { وَ } لما أمرناهم ونهيناهم بما يتعلق بمبدئهم ومعاشهم أمرناهم أيضاً بما يتعلق بمعادهم ورجوعهم إلينا، فقلنا لهم { أَقِيمُواْ } أديموا { ٱلصَّلاَةَ } التي هي معراجكم الحقيقي إلى ذروة التوحيد { وَ } العروج إليها لا يتحقق إلا بترك العلائق وطرح الشواغل لذلك { آتُواْ ٱلزَّكَاةَ } المطهرة المزيلة عن نفوسكم محبة الغير والسوى، بل محبة نفوسكم الشاغلة عن الوصول إلى شرف اللقاء { ثُمَّ } لما اشتغلتم بالأمر والنواهي نقضتم العهود بأن { تَوَلَّيْتُمْ } أعرضتم عنها، ونبذتموها وراء ظهوركم { إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْكُمْ } وهم الذين ذكرهم الله في قوله:{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ } [البقرة: 62] { وَأَنْتُمْ } قوم { مُّعْرِضُونَ } [البقرة: 83] شأنكم الإعراض عن الحق مستمرمين عليه. { وَ } كيف لا تكونون معرضين، اذكروا قبح صنيعكم وقت { إِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ } بأن { لاَ تَسْفِكُونَ دِمَآءَكُمْ } أي: لا يسفك بعضكم دم بعض بلا موجب شرعي { وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ } أي: لا يخرج بعضكم بعضاً من دياره تعدياً وظلماً { ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ } طوعاً، واعترفتم رغبة بهذا العهد { وَأَنْتُمْ } بأجمعكم { تَشْهَدُونَ } [البقرة: 84] تحضرون، وكلكم متفقون عليه. { ثُمَّ أَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ } الخبيثون الدنيئون، نقضتم العهد بعد توكيده بأن { تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ } بعضكم نفس بعض بغير حق { وَتُخْرِجُونَ } أي: يخرج بعضكم { فَرِيقاً } بعضاً { مِّنْكُمْ مِّن دِيَارِهِمْ } المألوفة إجلاء وظلماً وأنتم بأجمعكم { تَظَاهَرُونَ } تعينون { عَلَيْهِمْ } على المخرجين الظالمين { بِٱلإِثْمِ } أي: الخصلة الفاحشة { وَالْعُدْوَانِ } أي: الظلم المتجاوز عن الحد { وَ } من جملة عهودكم أيضاً: { إِن يَأتُوكُمْ } أي: يأتي بعضكم بعضاً { أُسَارَىٰ } موثقين في يد العدو { تُفَادُوهُمْ } تعطوهم فديتهم وتنقذوهم من عدوهم تبرعاً، فلا ينقضون هذا العهد مع أنه غير محرم عليك ترك فدائهم وينقضون العهد الوثيق المتعلق بالقتل والإخراج { وَ } الحال أنه { هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ } وقتلهم.