الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَٱدَّارَأْتُمْ فِيهَا وَٱللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } * { فَقُلْنَا ٱضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي ٱللَّهُ ٱلْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } * { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ فَهِيَ كَٱلْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ ٱلْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ ٱلأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ ٱلْمَآءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }

{ وَ } كيف تفعلونه وأنتم تعلمون أن سبب نزوله تفضيحكم وإظهار ما كتمتم في نفوسكم { إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً } بغير حق { فَٱدَّارَأْتُمْ } وتدافعتم { فِيهَا } أي: في شأنها بأن أسقط كل منكم قتلها عن ذمته وسترتم أمرها وهدرتم دمه { وَٱللَّهُ } المحيط بسرائركم وضمائركم { مُخْرِجٌ } مظهر { مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } [البقرة: 72] في نفوسكم.

{ فَقُلْنَا } لكم بعد تدارئكم وتدافعكم وذبحكم البقرة المأمورة { ٱضْرِبُوهُ } أي: المقتول { بِبَعْضِهَا } أي: ببعض البقرة أيُّ بعض كان، فضربوه فحيي بإذن الله، فأخبر بقاتله، ففضحوا وارتفعت المدارأة { كَذَلِكَ } أي: مثل إحياء هذه المقتول بلا سبب تقتضيه عقولكم وترتضيه نفوسكم { يُحْيِي ٱللَّهُ } القادر على ما يشاء جميع { ٱلْمَوْتَىٰ } في يوم الحشر والجزاء بلا أسباب ووسائل اقتضتها عقول العقلاء؛ إذ عنده الإبداء عين الإعادة والإعادة عين الإبداء، بل الكل في مشيئته على السواء { وَيُرِيكُمْ } ظهوره من { آيَاتِهِ } الدالة على تحقيق وقوعه { لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } [البقرة: 73] رجاء أن تتفكروا ووتفطنوا منها إليه وتؤمنوا بجميع المعتقدات الشرعية الدنيوية والأخروية.

وصدقوها على وجه التعبد والانقياد وبلا مراء ومجادلة مع من أوتي بها من الرسل والأنبياء، ولا يتيسر لكم هذه المرتبة إلا بعد ذبحكم بقرة النفس الأمارة المسلطة بالوقة التامة عليكم، المتلونة بالألوان المسرة لنفوسكم وطباعكم، المسلمة الممتنعة من التكاليف الشرعية من الأوامر والنواهي، وضربكم بها على النفس المطمئنة المقهورة المقتولة ظلماً لتصير حية بالحياة الأبدية، باقية بالبقاء السرمدي، فتخبركم وتذكركم عن صنائع أمارتكم الظالمة المتجاوزة عن الحدود، خلصنا الله من شرورها.

{ ثُمَّ قَسَتْ } بالقساوة الأصلية { قُلُوبُكُمْ } المتكبرة المتحجرة الصلبة البليدة { مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ } الإحياء الملين للقلوب الخائفة الوجلة عن خشية الله، وإذا لم تلن قلوبكم ولم يؤثر فيها { فَهِيَ } في الصلابة والقساوة { كَٱلْحِجَارَةِ } التي لا تقبل النقر والأثر أصلاً { أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً } أي: بل قلوبكم أشد صلابة من الحجارة، فإن من الحجارة ما يتأثر بالخير وقلوبك لا تتأثر أصلاً { وَإِنَّ مِنَ ٱلْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ ٱلأَنْهَارُ } ويتأثر منها، وقلوبكم لا تتأثر بأنهار المعارف المتشعبة عن بحر الذات الجارية على جداول ألسنة الأنبياء صلوات الله عليهم { وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ } يتأثر بالشقوق في نفسها بتخليل بحر الدهور ومن مؤثر خارجي وإذا تشقق { فَيَخْرُجُ مِنْهُ ٱلْمَآءُ } ويدخل فيه الماء، وقلوبكم لا تتأثر لا بنفسها ولا بالمؤثر الخارجي { وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ } ينزل من أعلى الجبل { مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ } الناشئة عن ظهور الآيات مثل المطر الهاطل والريح العاصف والزلزلة القالعة وغير ذلك من الآيات الظاهرة في الآفاق، لا تتأثر بالآيات الباهرة النازلة عليكم ترغيباً وترهيباً.

هذا تقريع وتوبيخ لهم على أبلغ وجه وآكده، وحث على المؤمنين وتحذير لهم من ربكم أمثالها بأنهم مع قابليتهم على التأثر لا يقبلون الأثر النافع لهم في الدارين، والحجارة مع صلابتها وعدم قابليتها تتأثر فهم أسوأ حالاً وأشد قساوة وصلابة منها، ومع ذلك يخادعون الله في الأمر بالستر والإخفاء، ويظنون غفلته { وَمَا ٱللَّهُ } المظهر لهم، المحيط بجميع مخايلهم وحيلهم { بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } [البقرة: 74] ولو طرفة ولمحة وخطرة.

ثم لما ذكر سبحانه امتنانه على بني إسرائيل وإنعامه إياهم بأنواع النعم، وذكر أيضاً ظلمهم وعداونهم وكفرانهم نعمه، أراد أن ينبه على المؤمنين المحمديين المتمنين إيمان اليهود وانقيادهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومؤاخاتهم مع المؤمنين بأن متمناكم وملتمسكم محال.