الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ وَإِذْ نَجَّيْنَٰكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذَٰلِكُمْ بَلاۤءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ } * { وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ فَأَنجَيْنَٰكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ } * { وَإِذْ وَٰعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ ٱتَّخَذْتُمُ ٱلْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَٰلِمُونَ } * { ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَٱلْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }

وبعدما ما أمرهم بتذكير النعم إجمالاً، وحذرهم عن جواء الكفران، أشار إلى مقدار النعم العظام التي خصصوا بها امتناناً عليهم، فقال: { وَإِذْ نَجَّيْنَٰكُم } أي: أذكروا وقت إنجائنا إياكم { مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ } الذين { يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ } بعلمونكم ويفضحونكم بسوء العذاب الذي لا عذاب أسوأ منه وهو أنهم { يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ } لئلا يبقى ذكركم في الدنيا؛ إذ بالابن يذكر الأب ويحيا اسمه؛ لأنه سره { وَ } أشنع من ذلك أنهم { يَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ } بناتكم ليلحق العار عليكم، بتزويجهم إياهن بلا نكاح ولا عار أشنع من ذلك، لذلك عد موت النبات من المكرمات { وَفِي ذَٰلِكُمْ } أي: واعلموا في المحن المشار إليها { بَلاۤءٌ } اختيار لكم { مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ } [البقرة: 49] ليجزيكم بنعمة أعظم منها، وهو إنجاؤكم منهم واستيلاؤكم عليهم.

وبعدما ابتليناكم باحتمال الشدائد والمتاعب، ومقاساة الأحزان أردنا إنجاءكم من عذابهم وإهلاكهم بالمرة، فأمرناكم بالسير والفرار من العدو ففرتم ليلاً، فأصبحتم مصادفين البحر والعدو صادفكم.

{ وَ } اذكروا { إِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ } أي: وقت تفريقنا بالفرق الكبيرة { ٱلْبَحْرَ } المتصل في بعضه ليسهل عبوركم منه ونجاتكم منه، وبالجملة: { فَأَنجَيْنَٰكُمْ } فعبرناكم منه سالمين { وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ } المقتحمين بالفور خلفكم باجتماع تلك الفرق واتصال البحر على ما هو عليه في نفسه { وَأَنْتُمْ } حينئذ { تَنظُرُونَ } [البقرة: 50] إلى الافتراق والاجتماع المتعاقبة، فكيف لا تذكرونها وتشكرونها.

{ وَ } بعد إنجائكم من البحر سالمين، وإغراقهم بالمرة وإيراثنا لكم أرضهم وديارهم وأموالهم اذكروا { إِذْ وَٰعَدْنَا مُوسَىٰ } المتبحر في ضبط المملكة في أول الاستيلاء بأمر، قلنا له: إن أخلصت التوجه والرجوع والميل إلينا مدة { أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } متوالية متتالية - خصصها لخلوها عن الشواغل المانعة من الإخلاص - أنزلنا عليكم كتاباً جامعاً لمرتبتي الإيمان والعمل، حاوياً على جميع التدابير والحكم الظاهرة والباطنة { ثُمَّ } لم اشتغل موسى بإنجاز الوعد، وإيفاء العهد فذهب إلى الميقات { ٱتَّخَذْتُمُ ٱلْعِجْلَ } الذي صوغتم بيدكم من حليكم بتعليم السامري، بسبب الخوار الذي ظهر منه ابتلاء لكم وفتنة إلهاً من دون الله، بل حصرتم الإلهية له بقولكم: هذا إلهكم وإله موسى، فأخلفتم الوعد { مِن بَعْدِهِ } أي: من بعد ذهاب موسى إلى الميقات، وقيل رجوعه منه { وَأَنْتُمْ } بسبب خلف الوعد والا تخاذ المذكور { ظَٰلِمُونَ } [البقرة: 51] خارجون عن الإيمان والتوحيد، والعياذ بالله من ذلك.

{ ثُمَّ } لما تبتم ورجعتم إلينا عن صميم القلب { عَفَوْنَا عَنكُم } أي: أزلنا عن ذمتكم جزاء ذلك الظلم الذي ظلمتم { مِّن بَعْدِ } إنابتكم ورجوعكم { ذَلِكَ } وإنما أزلناه عنكم { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [البقرة: 52] رجاء أن تشكروا، أو تعظموا نعمة العفو الذي هو من آثار اللطف، والجمال المتفرع على الظلم المعفو عنه الذي هو من آثار القهر والجلال، فتكونوا من الشاكرين الذين يشكرون الله في السراء والضراء والخصب والرخاء.

{ وَإِذْ } بعدما أخلفتم الوعد قبل تمامها، وظلمتم باتخاذ العجل لم نهمل أمر موسى، ولم نخلف الوعد الذي وعدنا معه اذكروا { آتَيْنَا مُوسَى } إنجازاً لوعدنا { ٱلْكِتَابَ } الموعود، الجامع لأسرار الربوبية { وَٱلْفُرْقَانَ } الفارق بين الحق والباطل، وبين الضلالة والهداية { لَعَلَّكُمْ } تقتدرون له { تَهْتَدُونَ } [البقرة: 53] به إلى طريق التوحيد وتجاهدون فيه إلى أن تخلصوا عن الشواغل المانعة عنا.