الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ وَٱرْكَعُواْ مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ } * { أَتَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ ٱلْكِتَٰبَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَٰوةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَٰشِعِينَ } * { ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَـٰقُواْ رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَٰجِعُونَ } * { يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِي ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَٰلَمِينَ } * { وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَٰعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ }

{ وَ } بعدما آمنتم بالله وكتبه المنزلة على رسله ذهبتم عما نهيتم { أَقِيمُواْ ٱلصَّلٰوةَ } أديموا الميل والتقرب إلى جنابه، وتوجهوا نحو بابه بجميع الأعضاء والجوارح، قاصدين فيه تخلية الظاهر والباطن عن الشواغل النفسية، والعوائق البدنية المانعة من الميل الحقيقي { وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ } المطهرة لنفوسهم عن العلائق الخارجية، والعوارض اللاحقة المثمرة لأنواع الأمراض في الباطن في البخل والحسد والحقد و غير ذلك { وَ } إن قصدتم التقرب والتوجه على الوجه الأتم الأكمل { ٱرْكَعُواْ } تذللوا وتضرعوا إليه سبحانه { مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ } [البقرة: 43] الذين خرجوا عن هوياتهم بالموت الإرادي، ووصلوا إلى ما وصلوا بل اتصلوا، لا مع الذين يراءون الناس، ويقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم، لذلك خاطبهم الحق سبحانه على سبيل التوبيخ، فقال:

{ أَتَأْمُرُونَ } أيها المراءون المدعون لليقين والعرفان { ٱلنَّاسَ } على سبيل النص والتذكير { بِٱلْبِرِّ } المقرب إلى الله { وَتَنْسَوْنَ } أنتم { أَنْفُسَكُمْ } من امتثال ما قلتم { وَ } الحال أنكم { أَنْتُمْ تَتْلُونَ ٱلْكِتَٰبَ } المشتمل على الأوامر والنواهي، فحقكم أن تمتثلوا بها أولاً { أَ } تلتزمون تذكير الغير، وأنتم في الغفلة { فَلاَ تَعْقِلُونَ } [البقرة: 44] ثبيح صنيعكم هذا.

ولما أمرتم بعد الإيحاء بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة المطهرين لنفوسكم ظاهراً وباطناً، فعليكم الإتيان بالمأمور على الوجه الأتم، ولا يتيسر لكم الإتيان بها على الوجه الذي ذكر بإدامة الاستعانة { وَ } المظاهرة من الخصلتين؛ لذلك أمر سبحانه باستعانتهما { ٱسْتَعِينُواْ } في التوجيه والتقرب إلى الله { بِٱلصَّبْرِ } عن المستلذات الجسمانية والمشتهيات المزينة { وَٱلصَّلَٰوةِ } الميل والإعراض عما سوى الحق ولا تسهلوا أمر الاستعانة ولا تخففوها { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ } ثقيلة شاقة على كل واحد { إِلاَّ عَلَى ٱلْخَٰشِعِينَ } [البقرة: 45] الخاضعين.

{ ٱلَّذِينَ } يرفعون رين الغيرية عن العين، ويسقطون شين الاثنينية عن البين { يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَـٰقُواْ رَبِّهِمْ } في هذه النشأة؛ لأنهم يعبدون إليه كأنهم يرونه { وَ } يعلمون يقيناً { أَنَّهُمْ إِلَيْهِ } لا إلى غيره؛ إذ لا وجود للغير { رَٰجِعُونَ } [البقرة: 46] عائدون صائرون في النشأة الأخرى، اللهم اجعلنا من متبعيهم ومحبيهم.

ثم لما منَّ عليهم بالنعم التي تظهر آثارها وثمراتها في العالم الروحاني بحسب النشأة الأخرى، منَّ عليهم بالنعم التي ظهرت آثارها عليهم في العالم الجسماني بحسب النشأة الأولى، فناداهم أيضاً مبتدئاً مذكراً بقوله: { يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ } ولا تكفروا { نِعْمَتِي ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } وعلى أسلافكم { وَ } اعلموا { أَنِّي } بحولي وقوتي { فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَٰلَمِينَ } [البقرة: 47] من أبناء نوعكم بفضائل أغنت شهرتها على إحصائها.

وبعدما ذكرتم النعم وعرفتم المنعم المفضمل، لا تغتروا بفضلي ولطفي بل احذروا من انتقامي وقهري { وَٱتَّقُواْ يَوْماً } تحشرون إلي للجزاء، وفي ذلك اليوم { لاَّ تَجْزِي } لا تسقط { نَفْسٌ } مطيعة كانت أو عاصية { عَن نَّفْسٍ } عاصية { شَيْئاً } من جزائها وعذابها { وَ } أيضاً { لاَ يُقْبَلُ } فيها { مِنْهَا } من النفس العاصية { شَفَٰعَةٌ } من شافع صديق حميم { وَ } كذا { لاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ } لتمهل مدة { وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ } [البقرة: 48] فيه بالأعوان والأنصار، بل كل نفس رهينة بما كسبت.