{ تِلْكَ ٱلرُّسُلُ } المخصوص بالوحي والإلهمام والإنزال { فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } بأنواع الفضائل والكمالات { مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ } معه، وهو موسى صلوات الله عليه { وَ } منهم من { رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ } وهم ما ذكرهم الله سبحانه في كتابه بقوله في مواضع:{ وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً } [مريم: 57] ورفعناه كذا في وصف أنبيائه فعليك استقصاؤها، { وَآتَيْنَا } من نبيهم { عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ } الواضحة الدالة على نبوته { وَ } مع ذلك { أَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ } المنزه عن رذائل الأغيار مطلقاً، وهو الذات البحث الخالص عن جميع الاعتبارات. وكم بيَّن فضيلة عيسى عليه السلام، وفضل نبينا صلى الله عليه وسلم، إذ قال سبحانه في حقه:{ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ } [البقرة: 87] وفي شأنه صلى الله عليه وسلم في مقام الامتنان له:{ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } [الشرح: 1] أيها المظهر الكامل بذاتها، المقدس عن السوى مطلقاً:{ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ } [الشرح: 2] أي: هويتك التي بها انفصالك عنا{ ٱلَّذِيۤ أَنقَضَ ظَهْرَكَ } [الشرح: 3] قبل انكشافك بذاتنا، كما أنقض ظهور جميع المخلوقات الباقية وراء الحجاب وبعد ذلك{ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } [الشرح: 4] أي: إن وصلت إليها ورفعت الاثنينية بنا لذلك قلت: " من أطاعني فقد أطاع الله " ، وقلت أيضاً: " من رآني فقد رأى الحق " وقلنا لك:{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ } [الفتح: 10] وغير ذلك من الرموز والإشارات الواردة في القرآن والحديث. ولم يقدر أحد من الأنبياء أن يتفوه عن الرؤية سوى نبينا صلى الله عليه وسلم، فإنه يقول: " رأيت ربي في ليلة المعراج " ، لذلك نزل في شأنه:{ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } [المائدة: 3] وقوله عليه السلام: " بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " ، وغير ذلك من الآيات والأحاديث المشعرة للتوحيد الذاتي، المسقط للإضافات والاعتبارات مطلقاً. { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ } الهادي للكل هداية جميع الناس { مَا ٱقْتَتَلَ ٱلَّذِينَ } آمنوا لهم { مِن بَعْدِهِم } خصوصاً { مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ } الموضحة لهم طريق الرشاد والمستخلفة فهم بين أممهم لإرشادهم، ولكن جرت عادة الله وسنته أن يختلفوا ويقتتلوا بحسب اقتضاء أوصافه المتقابلة لذلك { وَلَـٰكِنِ ٱخْتَلَفُواْ فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ } بنبي بُعث إليهم { وَمِنْهُمْ مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ } هدايتهم { مَا ٱقْتَتَلُواْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ } الفاعل المختار { يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } [البقرة: 253] لا يُسأل عن فعله، إنه حكيم حميد. { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } مقتضى إيمانكم قطع العلائق عما سوى الله الحق خصوصاً عن مزخرفات الدنيا المانعة من الميل الحقيقي { أَنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَٰكُم } ابتلاءً لكم { مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ } ولا معاوضة ولا تجارة حتى يحصلوا فيه ما فوتم لأنفسكم { وَلاَ خُلَّةٌ } حتى تتعاونوا بها وتستظهروا { وَلاَ شَفَاعَةٌ } مقبولة من أحد حتى تستشفعوا منه { وَ } بالجلمة: { ٱلْكَٰفِرُونَ } الساترون هوية الحق بهوياتهم الباطلة، المضيفون نعم الله إليها { هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ } [البقرة: 254] المتجاوزون عن حدود الله عناداً واستكباراً المعتقدون أصالتهم في الوجود واستقلالهم في الآثار الصادرة عنهم، مع كونهم هالكين مستهلكين في وجود الحق وهويته إذ: