{ وَإِن كُنْتُمْ } أيها المحجوبون بالأديان الباطلة { فِي رَيْبٍ } شكٍ وارتيابٍ { مِّمَّا نَزَّلْنَا } من مقام كما ترتيبنا وإرشادنا { عَلَىٰ عَبْدِنَا } الذي هو خليفتنا ومرآنا ومظهر جميع أوصافنا، وحامل وحينا المنزل عليه، المشتمل على جميع الأخلاق الإلهية { فَأْتُواْ بِسُورَةٍ } جملة قصيرة { مِّن مِّثْلِهِ } إذ من خواص هذا الكتاب أن مجموعة مشتمل على جميع الأخلاق الإلهية، وكل سورة منه تشتمل على ما اشتمل عليه المجموع، تأمل. { وَ } إن عجزتم أنتم عن إتيانه { ٱدْعُواْ شُهَدَآءَكُم } حضراءكم الذين أنتم تشهدون بألوهيتهم وترجعون في الخطاب إليهم { مِّن دُونِ ٱللَّهِ } المحيط بكم وبهم، فأمروهم بإتيان كل سورةٍ جامعة جميع أوصاف المعبود بالحق { إِنْ كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ } [البقرة: 23] أنهم آلهة غير الله، سبحان الله وتعالى عما يقولون. { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ } فإن لم تفعلوا الإتيان أنتم في حين التحدي والمعارضة { وَلَن تَفْعَلُواْ } أيضاً بعدما رجعتم إليهم، فلا تكابروا ولا تنازعوا، بل انقادوا وامتثلوا بأوامر الكتاب المنزل على عبدنا، واجتنبوا عن نواهيه { فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي } أخبر فيه بأنه { وَقُودُهَا } أي: ما يتقد به النار { ٱلنَّاسُ } الذين يعبدون غير الله { وَٱلْحِجَارَةُ } التي هي معبوداتهم التي نحتوها بأيديهم وما { أُعِدَّتْ } هذه النار إلا { لِلْكَٰفِرِينَ } [البقرة: 24] الجاهلين طريق توحيد الحق، والمكذبين كتاب الله ورسوله المنزل عليه. { وَبَشِّرِ } المؤمنين الموقنين الموحدين { ٱلَّذِين آمَنُواْ } بالكتاب المنزل على عبدنا { وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ } المؤمنون فيه، واجتنبوا عن الفاسدات المنهي عنها { أَنَّ } أي: حق وثبت { لَهُمْ } بعد رفع القيود { جَنَّٰتٍ } متنزهاتٍ من العلم والعين والحق التي هي المعارف الكلية المخلصة عن جميع القيود المنافية للتوحيد { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰرُ } أنهار المعارف الجزئية المترتبة على تلك المعارف الكلية { كُلَّمَا رُزِقُواْ } حظوا منها؛ أي من تلك المعارف الكلية { مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ } حاصلةٍ من شجرة اليقين { رِّزْقاً } حظاً كاملاً يخصلهم من رتبة الإمكان { قَالُواْ } متذكرين العهود السابقة: { هَـٰذَا ٱلَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ } من الأعيان الثابتة، أو في عالم الأسماء والصفات، أو في اللوح المحفوظ، أو في عالم الأرواح إلى غير ذلك من العبارات، ومن غايات التلذاذهم ونهاية شوقهم والتذاذهم بالثمرة المحظوظ بها { وَأُتُواْ بِهِ } متماثلاً { مُتَشَٰبِهاً } متجدداً بتجدد الأمثال { وَلَهُمْ فِيهَآ } في تلك المرتبة الكلية { أَزْوَٰجٌ } أعمال صالحة ونيات خالصة { مُّطَهَّرَةٌ } عن شوائب الأغيار المانعة عن الوصول إلى دار القرار { وَهُمْ فِيهَا } في تلك المراتب { خَٰلِدُونَ } [البقرة: 25] دائمون يداومه، باقون ببقائه، مستغرقون بمشاهدة لقائه سبحانه. أرزقنا بلطفك حلاوة التحقيق وبرد اليقين.