الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ يٰيَحْيَىٰ خُذِ ٱلْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ ٱلْحُكْمَ صَبِيّاً } * { وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيّاً } * { وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً } * { وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً } * { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ ٱنتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِياً } * { فَٱتَّخَذَتْ مِن دُونِهِم حِجَاباً فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً } * { قَالَتْ إِنِّيۤ أَعُوذُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً } * { قَالَ إِنَّمَآ أَنَاْ رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاَماً زَكِيّاً } * { قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً } * { قَالَ كَذٰلِكَ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلْنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً } * { فَحَمَلَتْهُ فَٱنْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً } * { فَأَجَآءَهَا ٱلْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ قَالَتْ يٰلَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً } * { فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَآ أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً } * { وَهُزِّىۤ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً }

ثم لما أومأ سوينا خلقة يحيى، وأخرجناه من بطن أمه صحيحاً سوياً، قلنا له تربية وتكريما: { يٰيَحْيَىٰ } الموهوب من لدنا المؤيد من عندنا { خُذِ ٱلْكِتَابَ } أي: التوراة واشرع في ضبطها وحفظها { بِقُوَّةٍ } أي: بِنِيّةٍ خالصةٍ وعزيمةٍ صحيحةٍ { وَ } إنما أمرناه بحفظها وضبطها؛ إذ { آتَيْنَاهُ ٱلْحُكْمَ } يعني: الحكمة المندرجة فيها، وأعطينا فهمها واستنباط الأحكام منها حال كونه { صَبِيّاً } [مريم: 12] لم يبلغ الحلم.

{ وَ } إنما آتيناه وأعطيناه في حال صغره فهم التوراة { حَنَاناً } ترحماً وتعطفاً ناشئاً { مِّن لَّدُنَّا } تكريماً له ولأبيه { وَ } لهذا أيضاً أعطيناه { زَكَاةً } طهارةً عن الخبائث والآثام كلها { وَ } لذلك { كَانَ } مدة حياته من أوان صباه إلى موته { تَقِيّاً } [مريم: 13] حَذِراً عن المناهي والمنكرات، خائفاً عن المعاصي والمحظورات.

{ وَ } لنجابة طينته ألقينا في قلبه { بَرّاً } وإحساناً { بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن } في جميع أوقاته وحالاته { جَبَّاراً } عاقاً لهما مستكبراً عن أمرهما { عَصِيّاً } [مريم: 14] تاركاً حكمهما وأمرهما.

{ وَ } لسلامته عن جميع الآثام وطهارته عن جميع الخبائث والمعاصي { سَلاَمٌ عَلَيْهِ } أي: تحيةُ وتكريمُ وحفظُ وتسليمُ نازلُ عليه على الدوام { يَوْمَ وُلِدَ } نحفظه من الشيطان { وَيَوْمَ يَمُوتُ } نحفظه من زوال الإيمان { وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً } [مريم: 15] نصونه عن الخيبة والخسران ولحوق الحسرة والخذلان.

{ وَٱذْكُرْ } يا أكمل الرسل { فِي ٱلْكِتَابِ } أي: القرآن المنزل إليك سيد النساء { مَرْيَمَ } أي: قصتها، وحالتها العجيبة الشأن التي هي أغرب وأعجب من قصة زكريا، واذكر وقت { إِذِ ٱنتَبَذَتْ } أي: اعتزلت وتباعدت { مِنْ أَهْلِهَا } حين حاضت وطهرت وأرادت الاغتسال على مقتضى طهارتها الفطرية ونجابتها الجبلية، فاختارت للخلوة والتستر { مَكَاناً شَرْقِياً } [مريم: 16] أي: في مشرق بيت المقدس، ومع كونه مكاناً بعيداً خالياً عن الناس.

{ فَٱتَّخَذَتْ } وسدلت لكمال الاحتياط والانحفاظ { مِن دُونِهِم حِجَاباً } يسترها، ويحفظها عن أعين الناس إن وصلوا بغتة، لم لم تجردت عن لباسها واشتغلت؛ لأن تغتسل { فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ رُوحَنَا } أي: حامل روحنا وهو جبرائيل عليه السلام إظهاراً لقدرتنا وحكمتنا، وإنفاذاً لحُكمنا الذي حكمنا به في سابق علمنا { فَتَمَثَّلَ لَهَا } جبرائيل عليه السلام { بَشَراً سَوِيّاً } [مريم: 17] صحيحاً صبيحاً أمردَ قططاً مجعدَ الشعر لئلا تستوحض، ومع ذلك استوحشت وارتهبت رهبةً شديدةً، ومن غاية خوفها منه واضطرابها { قَالَتْ إِنِّيۤ أَعُوذُ } وألوذ { بِٱلرَّحْمَـٰنِ } الذي كفى لحفظ عباده عن مطلق الشذوذ سيما { مِنكَ } أي: من شرِّك ومن شرِّ أمثالك فامتنع أنت بنفسك عني { إِن كُنتَ تَقِيّاً } [مريم: 18] خائفاً عن الله، حذراً عن بطشه وانتقامه.

ثم لما رأى جبريل عليه لسلام من كمال عفتها وعصمتها ما رأى: { قَالَ } مستحيياً معتذارً: { إِنَّمَآ أَنَاْ رَسُولُ رَبِّكِ } أرسلني إليك { لأَهَبَ لَكِ } بإذن الله إياي وأمره { غُلاَماً زَكِيّاً } [مريم: 19] طاهراً عن جميع الرذائل والآثام، مترقياً في فنوف الفضائل والكمالات إلى أقصى النهايات، مظهِراً لأنواع المعجزات والكمالات والكرامات، وأصناف الإرهاصات الخارقة للعادات.

السابقالتالي
2