الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي ٱلأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً } * { فَأَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً } * { قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً } * { وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَآءً ٱلْحُسْنَىٰ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً } * { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مِّن دُونِهَا سِتْراً } * { كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً } * { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً } * { قَالُواْ يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً } * { قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً } * { آتُونِي زُبَرَ ٱلْحَدِيدِ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ ٱلصَّدَفَيْنِ قَالَ ٱنفُخُواْ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِيۤ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً } * { فَمَا ٱسْطَاعُوۤاْ أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا ٱسْتَطَاعُواْ لَهُ نَقْباً }

أخبر عنه سبحانه بقوله: { إِنَّا } من مقام عظيم جودنا وفضلنا { مَكَّنَّا لَهُ } وقدرناه { فِي ٱلأَرْضِ } تمكناً تاماً وقدرة كاملة { وَ } ذلك { آتَيْنَاهُ } أعطيناه تأييداً له وتعضيداً { مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً } [الكهف: 84] موصلاً إلى مبتغاه وما أَمِلَه؛ يعني: وفَّقنا وهيأنا أسبابه للوصول إلى كل مطلوبٍ قَصَدَه وأراد الوصول { فَأَتْبَعَ سَبَباً } [الكهف: 85] حتى ارتكب أمر الوثوقة واتكاله علينا، وبإنجاحنا إياه إلى مبتغاه.

ثم لما أراد أن يسير نحو المغرب، فاتبع سببه وسار { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ ٱلشَّمْسِ } أي: موضعاً تغيب الشمس فيه؛ يعني: لم يبلغه حقيقةً، وإنما بلغ قوماً ليس وراءهم؛ أي: نهاية حد العمارة من جانب المغرب على ساحل المحيط { وَجَدَهَا } أي: الشمس { تَغْرُبُ } وتغيب { فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ } أي: ذات حمأة وهي الطين والماء، وقرئ: " حمية " أي: حارةٍ. ويجوز أن يكون عيناً ذات حماءةٍ حرارةٍ، يعني: غروبها في رأي العين على عين صفتها هذه، وإلا فلا تسع الشمس في جميع كرة الأرض، فكيف بجزءٍ منها؛ إذ نسبه كرة الأرض إلى عظم جرم الشمس عند أهل الرصد كنسبةِ جزءٍ من مائةٍ وست وستين جزءاً.

{ وَوَجَدَ عِندَهَا } أي: عند العين الموصوفة { قَوْماً } كفاراً نافين للصانع الحكيم، لباسُهم جلود الوحوش وطعامهم ما لفظ البحر بالموج من أنواع الحيوانات الميتة، فلما وصل ذو القرنين إليهم ووجدهم كفاراً، خيرناه في أمرهم عنايةً منا بأن { قُلْنَا } له وألهمنا عليه منادياً: { يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ } لك الخيار في شأن هؤلاء الكفار { إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ } أي: تهلكهم وتستأصلهم بكفرهم؛ بيحث لا يبقى منه أحد { وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ } وتصنع { فِيهِمْ حُسْناً } [الكهف: 86] شرعاً وديناً كما في سائر المؤمنين.

ثم لما خُيّر ذو القرنين في أمرهم، وفُوِّض أمرُهم إليه: { قَالَ } على مقتضى العدل والإنصاف الذي جبله الحق عليه: ادعوهم أولاً إلى الإيمان، وألقِ عليهم كلمة التوحيد والعرفان: { أَمَّا مَن ظَلَمَ } واستعلى وأبى وأصرّ على ما عليه من الكفر منه والهوى { فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ } أي: نقتله حداً بعد عرض الإسلام، ولم يقبل في دار الدنيا { ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ } في يوم الجزاء { فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً } [الكهف: 87] شديداً مجهولاً لا يعرفه أهل الدنيا.

{ وَأَمَّا مَنْ آمَنَ } منهم { وَعَمِلَ } على مقتضى الإيمان عملاً { صَالِحاً } فنصلح حالهم، ونراعيه في الدنيا { فَلَهُ } في يوم الجزاء عند واهب العطايا { جَزَآءً ٱلْحُسْنَىٰ } والمثوبة العظمى والدرجة العليا والجزاء الأوفى { وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا } الذي أمرنا بالتخير في أمر أولئك الهالكين في تيه الغواية { يُسْراً } [الكهف: 88] سهلاً معتدلاً بين إفراط القتل والاستئصال، وتفريط الإبقاء على الكفر والضلال مداهنةً.

{ ثُمَّ } بعدما وضع بين أهل المغرب الشرعَ بالأمر الإلهي { أَتْبَعَ سَبَباً } [الكهف: 89] آخر يوصِله إلى المشرق، وسار { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ ٱلشَّمْسِاً } ومضع شروقه وإضاءته على العالم { وَجَدَهَا تَطْلُعُ } وتضيء أولاً { عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مِّن دُونِهَا سِتْر } [الكهف: 90] يعني: لم نجعل لهم حائلاً كثيفاً وحجاباً غليظاً؛ ليكون ستراً لهم من حرّ الشمس وقت طلوعها لا من الجبل ولا من الحجر والشجرة وغيرها، بل كلهم عزلُ عراةُ لا لباس لهم أصلاً، وهم يحفرون الأرض، ويتخذون سراديب وأخاديد يدل الأبنية؛ لأن أرضهم لا تمسك النباء { كَذَلِكَ } أي: هم أيضاً كفارُ مثل أهل المغرب، وهم أشدُّ الناس في الحروب والمعارك وأجرئهم على القتال والاقتحام في الوغاء، ولهم آلاتُ واسلحة عجيبةُ وعُدَدٌ بديعة لا كمثل سائر آلات الناس وعُدَدهم، وهم أكثرهم أيضاً عدداً.

السابقالتالي
2 3