الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } * { قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَٰحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً } * { فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ ٱسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً } * { قَالَ هَـٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً } * { أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي ٱلْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً } * { وَأَمَّا ٱلْغُلاَمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَآ أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً } * { فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَـاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً } * { وَأَمَّا ٱلْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي ٱلْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِـع عَّلَيْهِ صَبْراً } * { وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي ٱلْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً }

وبعدما سمع الخضر منه إنكاره { قَالَ } له على سبيل التشدد والغلظة: { أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ } وتطيق { مَعِيَ صَبْراً } [الكهف: 75] إذ لا مناسبة بين وبينك، ولا موافقة لعلمي مع علمك، فخلني على حالي ولا تشوشني، وانصرفْ عني وامض حيث شئت، فقد بلغت الطاقة.

ثم لما رأى منه موسى ما رأى من الغيظ والحرارة: { قَالَ } معتذراً مستحيياً: لا تحرمني عن صحبتك مما صدر عني من نقض العهد وسوء الأدب، ولا تردني يا سيدي { إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَٰحِبْنِي } ولا تجعلني رفيقك وصاحبك؛ لأنك { قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي } ومن قِبلي وأجلي { عُذْراً } [الكهف: 76] فلا أعتذر لك بعد هذا، بل أفارقك إن وقع مني ما يشوشك.

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " رَحِمَ اللهُ أَخِيْ مُوْسَى اسْتَحَى فَقَال ذَلِكَ، لَوْ لَبِثَ مَعَ صَاحِبِهِ لأَبْصَرَ أَعْجَبَ الأَعَاجِيْبِ ".

{ فَٱنطَلَقَا } بعدما تقاولا في أمر العلوم ما تقاولا { حَتَّىٰ إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ } هي أنطاكية أو أيلة { ٱسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا } من شدة جوعهما واحتياجهما إلى الطعام { فَأَبَوْاْ } وامتنعوا { أَن يُضَيِّفُوهُمَا } يميلوهما إلى نيل الطعام ونوله { فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ } أي: يميل ويشرف { أَن يَنقَضَّ } أي: يسقط وينهدم { فَأَقَامَهُ } الخضر وعدَّله وسواه بالعمود وأسقطه وأحكم بنيانه جديداً.

ثم لما رأى موسى منه أمراً مستغربباً مستبعداً، وهو أنهما على جناح السفر، لوم يكن لهما شغلُ وغرضُ متعلقُ بتعمير الجدار وإقامته { قَالَ } على سبيل التعرض بأنه فضول: { لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً } [الكهف: 77] وأخذت جعلاً واكتسبت التقوت والزاد بعدما أبوا عن الضيافة.

ثم لماسمع الخضر من موسى ما سمع: { قَالَ هَـٰذَا } أي: سؤالك وتعريضك هذا { فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ } أي: يوجب مفارقتي عنك، لكن لا أفارقك في الحال بل { سَأُنَبِّئُكَ } وأخبرك { بِتَأْوِيلِ مَا } أي: بتأويل الأمور التي أنكرت عليها، واعترضتَ مفتتحاً إياها مستعجلاً بحيث { مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً } [الكهف: 78] حتى أحدّثك وأبينك سرائرها مع أني أوصيتك أولاً ببيانها.

ثم فصلها فقال: { أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ } التي خرقتُها بإلهام الله إياي، وإلقائه على قلبي { فَكَانَتْ } هي { لِمَسَاكِينَ } ضعفاء َ لا مكسبَ لهم سواها { يَعْمَلُونَ فِي ٱلْبَحْرِ } بها ويعيشون من نولها { فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا } أي: أجعلها ذاتَ عيب { وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ } ظالمَ سيئ عليهم، وهو { يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ } صحيحةٍ غير معيبةٍ { غَصْباً } [الكهف: 79] ظلماً وزوراً بلا فديةٍ، فجعلتها ذاتَ عيبٍ حتى تبقى لهم، وذلك بإذنٍ من الله عنايةً منه سبحاه لضعفاءعباده ورعاية لحالهم ومصلحتهم.

{ وَأَمَّا ٱلْغُلاَمُ } الذي قتلته على الفور، فهو غلامُ قد جبله الله على الكفر والعصيان وأنواع الشرك والطغيان { فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ } موحدين مسلمين { فَخَشِينَآ } عليهما من سوء فعاله وقبح حاله { أَن يُرْهِقَهُمَا } ويغشيهما ويغطيهما { طُغْيَاناً وَكُفْراً } [الكهف: 80] من غاية حبهما له وتحننهما إياه { فَأَرَدْنَآ } وأحببنا بقتله وهلاكه { أَن يُبْدِلَهُمَا } أي: يرقهما ويهب لهما { رَبُّهُمَا } الذي ربَّاهما بنعمة التوحيد والإيمان وكرامة العصمة والعفاف ولداً { خَيْراً مِّنْهُ زَكَـاةً } أي: طهارةً مطهرةً عن خبائث الكفر والآثام، متصفةً بجبلة الإيمان والإسلام { وَأَقْرَبَ رُحْماً } [الكهف: 81] مرحمة وعطفاً وبراً على الوالدين ولطفاً.

السابقالتالي
2